اقتصاد

مواجهة نفطية بين العراق وروسيا في كردستان

الحياة العراقية

شكل الإعلان الرسمي لرئيس شركة النفط الروسية العملاقة “روس نفط” إيغور ستتشين في المؤتمر السنوي لمُساهمي شركته، مفاجأة كبيرة للحكومة المركزية، فالشركة الروسية أعلنت عن نيتها تنفيذ مجموعة كبيرة من أنشطة الاستكشاف الجيولوجي في إقليم كردستان العراق، تنقيباً عن النفط خلال هذا العام، والعزم على البدء بعمليات الاستخراج والتصدير العام المقبل.
الإقليم لم يسلّم أي كمية حتى الآن
الإعلان الروسي يأتي غداة خلاف متعاظم بين الحكومة المركزية العراقية ونظيرتها في إقليم كردستان العراق، يتعلق أساساً بالمسألة النفطية، فالحكومة المركزية تطالب بأن تسلمها حكومة الإقليم 250 ألف برميل نفطي يومياً، كجزء مما اتفق عليه الطرفان في قانون الميزانية العامة للبِلاد لعام 2019، لتمنح الحكومة المركزية الإقليم رواتب موظفيه وقواته الأمنية.
إلا أن حكومة الإقليم لم تُسلّم حتى الآن أي كمية للحكومة المركزية، بحسب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في آخر مؤتمر صحافي له، لأن حكومة الإقليم تقول إنها عقدت عشرات الاتفاقيات مع الشركات العالمية، وإن الحكومة المركزية يجب أن تُعلن عن التزاماتها بدفع مستحقات هذه الشركات أولاً، ليجري تالياً تسليمها مستخرجات الإقليم من النفط.
توقعات
بحسب تفاصيل العقد النفطي الجديد الموقع بين الطرفين، فإن الشركة الروسية التي تُعتبر شركة شبه حكومية وتُعتبر سياساتها تمثيلاً للتوجهات الاقتصادية والسياسية للحكومة الروسية، تعتزم التوجه للاستثمار النفطي في خمس مناطق جيولوجية في الإقليم، تقوم فيها الشركة بعمليات الدراسات الأولية والاستكشاف في المرحلة الأولى، لتتوجه في ما بعد للحفر والاستخراج.
وتقضي الشراكة بين الطرفين بأن تتحمل الشركة الروسية تكاليف تلك العمليات، التي تُقدرها مبدئياً بحوالى 400 مليون دولار، لكن الشركة تتوقع أن تكون كمية النفط المُستكشفة حوالى 700 مليون برميل نفطي، تحصل الشركة الروسية على 80 في المئة من الأرباح في حالة التصدير التجاري لاحقاً.
وستضاف هذه الكمية إلى تقديرات روسية أولية لاحتياطات النفط في إقليم كردستان العراق بقُرابة 45 مليار برميل من النفط و5.7 ترليون متر مكعب من الغاز.

منطقة استثمار
روسيا تعتبر إقليم كردستان منطقة استثمار واعدة بكل أشكال الشراكة النفطية، وتحديداً البنية التحتية واللوجستية منها، وهي الشريكة التجارية الأولى للإقليم في أنبوب النفط الذي ينقل ويصدر نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، ومن المتوقع أن ينقل ذلك الأنبوب عما قريب مستخرجات منطقة كركوك التابعة للحكومة المركزية، بعد انقطاع تصديره عبر إيران، استجابة للعقوبات الأميركية على طهران.

شراكة استراتيجية
وثمة عوامل عدة موضوعية تدفع الطرفين لأن يؤسسا لشراكة استراتيجية بعيدة المدى في المجال النفطي، تدلّ عليها أعمار الاتفاقيات المبرمة بينهما، إذ لا يقل أي منها عن مدة 20 عاماً.
فإقليم كردستان يعرف أن الشركات النفطية العالمية الرئيسة، الأوروبية والأميركية منها بالذات، لا تستطيع أن تدخل في شراكات استثمارية مع الإقليم، لأن ذلك قد يؤثر في استثماراتها وشراكاتها الهائلة مع الحكومة المركزية العراقية، لذا فإن الإقليم يفضل التأسيس لشراكة بعيدة المدى مع شركات روسية شبه حكومية.
وتبادل روسيا الإقليم التفكير نفسه، فهي تعرف أن نفط كركوك والمناطق الجنوبية من العراق شبه محجوز بالكامل لصالح الشركات الأوروبية والأميركية، وأن قراراً سياسياً عراقياً استراتيجياً يقف وراء ذلك، متأتياً منذ الأشهر الأولى للغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأن إقليم كردستان كان خارج ذلك الاتفاق.

الأداة الوحيدة للنفوذ
يُضاف ذلك إلى إحساس روسي بأن الشراكة الاستراتيجية مع إقليم كردستان هي الأداة الوحيدة للنفوذ والحضور السياسي في الداخل العراقي. كذلك، لم تتخل روسيا عن ذلك الخيار حتى في أكثر اللحظات حرجاً بالنسبة إلى الإقليم عام 2017، حينما كان يسير في ركب تنفيذ استفتاء الاستقلال.
ففي شهر فبراير (شباط) من العام 2017، قدمت روسيا قرضاً استثنائياً للإقليم بقيمة 3.5 مليار دولار، ولم تتنازل عن شراكتها مع الإقليم التي كانت تذهب لتطوير خمسة مجمعات نفطية وثلاثة مجمعات غازية، وكانت بمجموعها شراكة بقرابة النصف لكامل القطاع النفطي والغازي مع الإقليم.
خيارات الحكومة العراقية

لا تملك بغداد العديد من الخيارات في مواجهة هذا التمدد الروسي في المجال الاقتصادي النفطي في إقليم كردستان، التي سيكون لها تبعات سياسية من دون شك لصالح إقليم كردستان. فمثل هذه الشراكات الاستراتيجية تدفع إلى أن تكون قراءة الإقليم لتفاصيل الدستور العراقي، التي تذهب للقول إن الاستثمار والتصدير النفطي من حق الأقاليم والسلطات المحلية، وليس فقط من اختصاصات الحكومة المركزية، قراءة مدعومة من قبل القوى الدولية.
فمجموع العلاقات الاقتصادية بين العراق وروسيا يكاد أن يكون مُنحصراً في مجال شراء الأسلحة، الذي هو في أقل المستويات، وتحت الرقابة الأميركية الدائمة، وليس ثمة تقارب سياسي ذو شأن بين الطرفين في قضايا المنطقة، بسبب تقاسم النفوذ داخل العراق بين إيران والولايات المُتحدة. كذلك، فإن الحكومة المركزية تعتقد بأنها غير قادرة على التصعيد السياسي راهناً، بسبب القلق الذي يعتريها نتيجة التصعيد الأميركي الإيراني، إذ من المتوقع أن يكون العراق أحد أهم ساحات المواجهة بين الطرفين.

خشية بغداد؟
العراق يخشى انقطاع الصادرات النفطية من مناطقه الجنوبية لأي سبب كان في المرحلة المقبلة، لذا فإن حاجته ستكون ماسة لأنبوب التصدير الشمالي عبر تركيا، حيث تملك الشركات الروسية أكثر من ثلثي حصص الملكية فيه.
وعلى المنوال نفسه، فإن الحكومة العراقية الراهنة التي لم تُستكمل حتى الآن، والناتجة من توافق وطني هش، حتى داخل المكونات والقوى السياسية الواحدة، لا تستطيع التصعيد في وجه إقليم كردستان وقواه السياسية، لأن ذلك قد يؤدي إلى الدخول في أزمة وطنية حادة، تطيح بالتوافقات الأساسية التي تشكّلت على أساسها الحكومة الراهنة.
وتحسباً لكل ذلك، تأمل الحكومة العراقية في التوصل إلى اتفاق حازم مع الإقليم خلال الأشهر المقبلة، تكون عبره قضية القطاع النفطي واضحة المعالم تماماً، وتستطيع عبرها بغداد أن تحدد سياساتها المالية تجاه كردستان والشركات العالمية العاملة فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى