العراقيون أول شعب عربي يحكم الحكومة ويدخلها في صراع
الحياة العراقية
وقعت الكتل السياسية العراقية، في دوامة من الصراع، والحيرة أمام الثورة الكبرى التي يقودها الشعب منذ مطلع تشرين الأول الماضي، وحتى الآن، في اختيار رئيس للحكومة.
وسرعان ما سربت الكتل أسما لمرشح مؤقت يدير الحكومة حتى إجراء الانتخابات المبكرة التي دعا إليها المتظاهرون، وعلقت صوره مع علامة رفض، في ساحات الاعتصام، لا سّيما على واجهة مبنى المطعم التركي “جبل أحد”، وسرادق الاحتجاج في التحرير، وسط العاصمة بغداد.
وانصاعت الكتل للرفض الشعبي، لجميع المرشحين الذين طرحت أسمائهم أولهم محمد شياع السوداني، ويليه قصي السهيل الذي نال قبولا سياسيا وكان قريبا من توليه رئاسة الحكومة، لكنه أعتذر يوم أمس بعد رفضه هو أيضا من قبل المتظاهرين الذين توعدوا بمحاكمته أيضا.
موصفات رئيس الحكومة
ووثقت “سبوتنيك” في العراق، بالصور، مواقف المتظاهرين في ساحة التحرير، بقلب بغداد، حيث رفعوا يافطة بيضاء كبيرة على واجهة “جبل أحد”، تحمل سبع مواصفات لمن يتولى رئاسة الحكومة المقبلة المؤقتة، وهي:
أولا. أن يكون مستقلا، وغير منتميا لأي حزب أو تيار، ومن غير مزدوجي الجنسية، ثانيا، لم يكن وزيرا، أو بدرجة وزير، أو برلمانيا، أو محافظا، ولم يرشح مع أي كتلة سياسية.
ويطالب المتظاهرون في الصفة الثالثة لمرشح الحكومة، أن يكون نزيها، وشجاعا، ولم يؤشر عليه أي قضية فسا، ورابعا، أن يكون شابا، ولا يتجاوز عمره عاما.
وخامسا، أن يتعهد الرئيس للحكومة المؤقتة، قبل اختياره، بعدم الترشح للانتخابات القادمة، وسادسا، أن يكون ملزما بتلبية مطالب الثوار في ساحات الاعتصام، وسابعا وأخيرا: أن يكون قراره عراقيا مستقلا خالصا، ولا يخضع لضغوط الكتل السياسية، أو الدول.
وتكررت عبارة نشرها المتظاهرون في عدة يافطات، وأماكن متفرقة من ساحة التحرير، والجسر الجمهوري، ومبنى المطعم التركي، وحديقة الأمة، وعلى أرض وجدران نفق التحرير، وهي: لا للمتحزب، لا نريد المتحزب، مرشح الأحزاب مرفوض.
وأعلن المتظاهرون عبر ساحات الاعتصام، أنهم الكتلة الأكبر في اختيار المرشح لرئاسة الحكومة، في الوقت الذي تصارعت فيه الكتل السياسية في اعتماد أكبرها لتقديم المرشح مع تنازل سائرون التابعة لرجل الدين، زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر.
ولوح المتظاهرون في أهازيجهم، التي وثقوها بصورة علقت في مجسم صغير يطل على نفق التحرير، لرئيسي الجمهورية، برهم صالح، والبرلمان، محمد الحلبوسي، بإن الدور سيشملهم في الإقالة، بعد نجاح الثورة في دفع رئيس مجلس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، إلى تقديم استقالته، مطلع الشهر الحالي، بعد أيام قليلة من مجزرة طالت المحتجين في محافظة ذي قار، جنوبي البلاد، برصاص الأمن.
ومن بين الوجوه السياسية التي لاقت الرفض والغضب الشعبي، كانت هناك شخصية واحدة يطالب بها المتظاهرون لرئاسة الحكومة المؤقتة، أو المشاركة في إدارة الدولة بعد الانتخابات المبكرة، وهو، الفريق الركن، عبد الوهاب الساعدي، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، السابق، الذي كان سببا في إندلاع شرارة الثورة مطلع أكتوبر الماضي، بعد إحالته إلى أمرة وزارة الدفاع، وتجريده من منصبه الذي أحبه الشعب من خلاله لمشاركته في عمليات القضاء على “داعش” الإرهابي، في الصفوف الأمامية من الحرب.
وأرفقت صورة الساعدي، الذي أثار قرار إحالته من قبل رئيس الحكومة المستقيل، إلى أمرة الدفاع، في أيلول الماضي، مع عبارة “العراق يريد الساعدي”، في وسط ساحة التحرير.
وحديثا، علق المتظاهرون صورة المرشح الجديد الذي تتشاور الكتل بينها على تكليفه لرئاسة الحكومة، وهو أسعد العيداني، المحافظ الحالي للبصرة، مع عبارتين: “مرفوض من قبل الشعب”، و”المجرب لا يجرب”.
“اسم مستقل”
ويقول المتظاهر، محمد مكي، في حديث لمراسلتنا، نحن كشباب ثائر نرفض رفضا قاطع ترشيح أي شخصية سياسية تسنمت منصبا منذ عام 2003، ضمن أطر الأحزاب.
وأضافت مكي، الآن المطلب الجماهيري، هو ترشيح اسم مستقل لا ينتمي لأي حزب كان، لا سابقا، ولا حاليا، نبحث عن مرشح مستقل، وليس مستقيل في إشارة إلى المرشح محمد السوداني الذي أعلن بعد تقديمه حل تسوية، استقالته من حزب الدعوة.
وسخر البعض من المتظاهرين، من الصراع السياسي الذي وقعت فيه الكتل، بتقديم مرشح يدير عمل سائقي عجلات التك تك الذين أسهموا بها بشكل كبير في نقل الجرحى، والقتلى إثر الرصاص الحي، وقنابل الغاز المسيل للدموع التي اخترقت جماجم المئات من المشاركين بالمظاهرات في ساحة التحرير.
مسؤول “التكاتك”
وقدم أصدقاء المرشح الساخر، عباس الدراجي، مسؤول “التكاتك”، الدعم له، بطبع يافطة “بوستر” من الورق المقوى اللامع، وضعوها في سردقهم الخاص، تحمل صورته، وترشيحه لرئاسة الحكومة، من داخل الجسر الجمهوري الذي يلازموه معه، منذ مطلع أكتوبر، وأيام العنف الذي قطف الكثير من أرواح المتظاهرين.
وحتى الآن لم تحسم الكتل السياسية، اختيار رئيس للحكومة، الأمر الذي أدخل العراق في فراغ دستوري، مع انتهاء مهلة إيجاد البديل، وسط مخاوف من تردي الأوضاع الأمنية إثر الصراع، والضغط بين الأحزاب لتمرير المقدم منها.
واستطاع المتظاهرون حتى الآن، من كسب مطلبين تاريخيين في أول ثورة شعبية لهم منذ الاجتياح الأمريكي للعراق، وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، وهما: نجاحهم في إقالة رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، واختيار قانون انتخابات جديد.
ويواصل المتظاهرون في العاصمة بغداد، ومحافظات الوسط، والجنوب، احتجاجاتهم، مع اعتصامات الطلاب، وإضرابهم عن الدوام الرسمي للشهر الثالث على التوالي، حتى الآن، منذ مطلع أكتوبر الماضي، لحين تلبية جميع المطالب، باختيار رئيس مستقل، وإجراء انتخابات مبكرة، ومحاكمة المتورطين بقتل المحتجين، والفساد.