تقرير: فساد سلطة كردستان والضعف الاقتصادي دفع الشباب الكرد نحو داعش
الحياة العراقية
على الرغم من نجاح أجهزة الأمن بكردستان في مجابهة المجاميع والشبكات المسلحة التي تنشط بالمناطق القريبة من الإقليم، وإفشالها العديد من المخططات، فإن هذا لم يمنع الكثير من المواطنين في الإقليم من الانخراط في صفوف تنظيم داعش خلال الأعوام الأخيرة.
ومن أبرز الأكراد الذين أعلنوا انضمامهم للتنظيم مع بداية ظهوره عام 2014 رجل الدين الكردي “ملا شوان” المعروف في صفوف التنظيم بـ “أبو هارون” الذي كان إماما وخطيبا لأحد المساجد في أربيل (مركز الإقليم)، ومسؤول عن تنفيذ عمليات قتل ضد البيشمركة (قوات الدفاع في الإقليم)، إلا أنه لقي مصرعه باشتباكات عنيفة بين التنظيم والبيشمركة في كركوك (شمال بغداد).
ويعتبر رجل الدين الكردي (ملا إسماعيل سوسيي) من أبرز المواطنين الكرد الذي اعتقل في أربيل عام 2018 على خلفية صلته بتنظيم الدولة، بعد أن منعته سلطات الإقليم من إلقاء الخطب الدينية في المساجد عام 2010 بسبب أفكار وآرائه المتشددة، إلا أنه أخذ ينشر أفكاره عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
اعتقال عشرات الأكراد
واعتقلت الآسايش (قوات الأمن الداخلي بكردستان) 46 كرديا بتهمة الانتماء والترويج لتنظيم الدولة في السليمانية عام 2019، وسبق ذلك اعتقال العشرات خلال الأعوام السابقة. وهذا ما اعتبره البعض رواجا للتنظيم لدى فئة قليلة من المواطنين الكرد ولا سيما الشباب منهم.
واعتقلت الآسايش في السليمانية 331 شخصا عام 2019 بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة، منهم 280 رجلا و51 امرأة، بحسب مصدر أمني.
ويعتبر علي عبود من أبرز قيادات التنظيم الذي اعتقل في السليمانية وهو من سكان محافظة الأنبار (غربي العراق) سابقا، بعد قدومه من الحدود السورية وتنفيذه العديد من العمليات، كما بين ذلك المصدر الأمني.
وفككت الآسايش ثلاث خلايا تابعة لتنظيم الدولة في السليمانية أثناء إعادة تنظيم نفسها في 2019، ومن أبرز المعتقلين شعيب زيد الملقب بـ”أبي أيمن” التابع لكتيبة “أبو العباش” فيما تسمى بـ”ولاية ديالى” ومصطفى خليفة عبد الله الحلبوسي وعمر يونس التركي الملقب بـ”أبي عابد”، وعمر كامل التركي الملقب بـ”أبي فاروق” وعلي يونس التركي الملقب بـ”أبي بلال” وأحمد خميس شجاع من العاملين في قسم الأخبار بتنظيم الدولة، وكان مكلفا بجمع المعلومات عن البيشمركة، وكذلك الآسايش بأربيل والسليمانية.
ووقعت شبكة كاملة من النساء في السليمانية كن يروجن لفكر التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويسعين لتأسيس غرفة إعلامية مشتركة لنشر أخبار وأنشطة الدولة في الإقليم، والاستعداد لدعم الخلايا النائمة للتنظيم في الوقت المناسب.
فشل السلطة
ويأتي فشل السلطة في تأمين حياة مناسبة للشباب ولعامة المواطنين من الأسباب الرئيسية في دفع الشباب الكردي للانخراط في صفوف المجاميع المتشددة، وزرع روح “عدم الانتماء” لهذه الأرض، بحسب النائب في برلمان كردستان سيروان بابان، الذي قال إن “انهيار الشباب الكردي جاء بعد اضطهاده ودماره نفسيا وفكريا وجسديا على يد السلطة”.
ويؤكد النائب فشل المؤسسات الدينية والاجتماعية في القيام بواجبها وعدم السماح بانخراط الشباب في هذه المجاميع، كونها خدمت السلطة أكثر من الشباب وابتعدت عن المسألة الحقيقية، وأصبحت بعيدة عن تطلعاتهم.
1550 معتقلا
ويضم سجن الزركا بمحافظة دهوك (شمال) أكثر من 1550 معتقلا محكومين بأحكام مختلفة، أبرزها الجنائية والإرهابية، إلا أن أكثر من 90% منهم بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة والترويج له ومنهم مواطنون كرد.
ويقول مصدر أمني مطلع، إن الزركا يضم قيادات بارزة في تنظيم الدولة اعتقلوا من قبل الأمن الكردي في مناطق مختلفة.
واستغل عناصر التنظيم الفراغ الأمني الذي حصل بين بغداد والإقليم بعد إجراء الأخير استفتاء الانفصال عام 2017 وانتقلوا إلى مناطق في الإقليم بهويات مزورة مع تغيير ثبوتياتهم.
وبعد تحسُّن العلاقات بين الطرفين، قدمت بغداد معلومات مفصلة عن أعداد كبيرة من المطلوبين الموجودين في الإقليم بتهم “الإرهاب”، وتمكنت السلطات من القبض على أعداد منهم ولا سيما في السليمانية بجهودها الاستخباراتية.
وتسلّمت السلطات الكردية المطلوبين إلى الحكومة الاتحادية بحسب الاتفاق الأمني بينهما، كما يقول الخبير الأمني الكردي هاوكار الجاف، مضيفا أن “القضاء على التنظيم عسكريا ليس كافيا لإنهاء وجوده، .. لأنه يعمل بالفكر أكثر من العمل الميداني، وهو ما قد يؤهله للبروز مرة أخرى”.
ويعود فشل التنظيم في عدم قدرته على تنفيذ عمليات في السليمانية خلال السنوات العشر الأخيرة، بحسب الجاف، إلى القدرة الاستخباراتية العالية للآسايش وتبادلها المعلومات مع الأجهزة الأخرى.
ويضيف أن التنظيم نشط خلال الأزمات السياسية والاقتصادية التي مرّ بها الإقليم خلال السنوات الماضية عبر إغراء “بعض” الشباب للانخراط في صفوفه حتى وإن كان العدد أقل من المناطق العراقية الأخرى.
وسيطرت جماعات توصف بالـ “المتطرفة” مثل “أنصار الإسلام وأنصار السنة” على مناطق واسعة في السليمانية مثل “تويله وبيارة” في بداية القرن الجاري، وتم القضاء عليها بعد معارك طاحنة مع الأمن الكردي، حسب الخبير الأمني.
دعم العشائر
وعزّزت العشائر العربية في المناطق السُّنية الجهود الاستخباراتية للأمن الكردي من خلال تقديم معلومات عن آلاف العناصر الذين كانوا في صفوف التنظيم.
ويقول المتحدث الرسمي باسم العشائر العربية في المناطق التي تسمى بـ”المتنازع عليها” بين بغداد وأربيل مزاحم الحويت، إن “العشائر العربية قدمت معلومات كاملة عن عناصر الدولة الموجودين في الإقليم بتنسيق مشترك بين الطرفين”، مؤكدا “امتلاك الإقليم أسماء جميع المطلوبين للقضاء العراقي بتهمة الإرهاب”.
وتعرضت مدينة أربيل للعديد من العمليات الإرهابية خلال الأعوام الماضية على يد عناصر ينتمون للتنظيم، إلا أنها تأتي في مقدمة محافظات الإقليم الأربع (أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة) في أعداد المعتقلين بسجونها الذين يصلون إلى “ألفي” معتقل، بتهمي الإرهاب والانتماء للتنظيم.