السكوت مقابل مساعدات اقتصادية.. جهات مقربة من حكومة الاقليم تقدم المعلومات لتركيا وتشكك ببغداد
الحياة العراقية
افادت مصادر مطلعة، الجمعة، أن أنقرة عرضت على حكومة الإقليم الكردي مساعدات في المجال الاقتصادي لقاء معلومات عن مواقع حزب العمال الكردستاني، موضحة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول استغلال الضائقة المالية التي يتعرض لها العراق بسبب تدني أسعار النفط والتي تطال أيضا الإقليم المرتبط ماليا ببغداد.
ولم تقدم المصادر إفادات قاطعة بشأن موافقة سلطات كردستان العراق على التعاون مع أردوغان، لكنها أشارت إلى قيام تركيا بإعادة جدولة ديون مستحقة على الإقليم الكردي قبيل انطلاق عملية مخلب النمر ضد حزب العمال الكردستاني.
وفي 17 يونيو الجاري، أطلقت تركيا العملية المذكورة في منطقة حفتانين شمالي العراق لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة تنظيما إرهابيا.
واستخدمت القوات التركية طائرات مقاتلة ومروحيات ودبابات ونفذت عمليات قصف مدفعي وإنزال جوي، شملت مناطق عديدة داخل إقليم كردستان العراق. ويستند مراقبون في ترجيحهم لوجود تفاهم بين أنقرة وأربيل إلى ما قالوا إنه رد خجول من سلطات الإقليم على العمليات التركية.
وحاولت أربيل إلقاء الكرة في ملعب بغداد عبر التشكيك في عدم علمها المسبق بالعملية العسكرية التركية. وتساءل جبار ياور أمين عام وزارة شؤون البيشمركة الكردية (جيش إقليم كردستان العراق) عن مدى صحة قيام طائرات حربية تركية باختراق أجواء العراق لمسافة مئة وعشرين كيلومترا في محافظة السليمانية دون موافقة سلطة الطيران العراقية، قائلا لتلفزيون رووداو الكردي “لهذا السبب أشكك في بيانات الحكومة الاتحادية المتعلقة بالقصف الجوي والمدفعي التركي والإيراني”.
وقال ياور “بموجب الدستور والقانون، تقع مسؤولية حماية حدود وأجواء كل العراق التي يشكل إقليم كردستان جزءا منها على الحكومة الاتحادية العراقية، بينما تلقي تهم التقصير في هذا المجال وفي أحيان كثيرة، ودون وجه حق، على حكومة إقليم كردستان أو على قوات البيشمركة”.
وذكّر المسؤول الكردي بأن قصف الحدود مستمر منذ العام 2007 وإلى اليوم، أي أن حدود وأجواء العراق تنتهك باستمرار طيلة 13 سنة، فمنذ بداية السنة الحالية وحتى 31 مايو الماضي، بحسب ياور “تعرضت المناطق الحدودية 137 مرة إلى القصف الجوي والمدفعي؛ 135 مرّة من جانب تركيا ومرتين من جانب إيران”.
ورأى أمين عام وزارة شؤون البيشمركة أنه “إذا كانت الحكومة الاتحادية تريد إنهاء هذه المآسي بإصدار بيان، فهذا لن يحصل. ويجب أن تتعامل الحكومة العراقية بجدية أكبر مع كل من تركيا وإيران والدخول في حوار معهما من أجل حل هذه المشكلة”.
ويقول أحد المصادر بحسب صحيفة العرب اللندنية، إن”تحركات قامت بها قوات تابعة لأحد الأحزاب الكردية في كردستان العراق قرب جبال قنديل الوعرة، قبيل انطلاق عملية مخلب النمر، ربما أسهمت في كشف مواقع مقاتلي الحزب المذكور أمام الطيران التركي”.
ويضيف، أن”تحريك قوات تابعة لحزب ما في إقليم كردستان العراق يتطلب ردا من الأحزاب الأخرى التي تملك مقاتلين، وهي سلسلة من ردود الأفعال قد تمتد لتشمل حتى عناصر حزب العمال الكردستاني رغم هويته التركية، وكذلك حزب بيجاك الكردي الإيراني. وتتقاسم أحزاب من كردستان العراق وتركيا وإيران مواقع ضمن سلاسل الجبال شديدة الوعورة في المثلث الحدودي بين الدول الثلاث”.
ورغم حصول الأحزاب الكردية في العراق على الحق شبه الحصري في إدارة المناطق الكردية منذ 2003 إلا أنها تحتفظ بالكثير من مواقعها الجبلية ما يفسر اتصالها الجغرافي والمسلح المستمر بمقاتلي الأحزاب الكردية من تركيا وإيران.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، تطورت العلاقات بسرعة بين أردوغان ومسعود البارزاني زعيم أعرق وأقوى الأحزاب الكردية في العراق.
وبدلا من أن يصطف البارزاني، انطلاقا من أدبياته القومية والحزبية، إلى جانب حزب العمال الكردستاني في صراع حق تقرير المصير ضد تركيا، كان الأقرب إلى أردوغان في الكثير من الأحيان.
ويعتقد مراقبون أن دوافع اقتصادية تقف خلف هذا التقارب الشديد بين أنقرة وأربيل، فيما اشتدت حاجة أكراد العراق إلى مساعدات مالية مؤخرا، بسبب أزمة أسعار النفط.
وفي أيامها الأخيرة، انتهجت الحكومة العراقية السابقة برئاسة عادل عبدالمهدي نهجا ماليا متشددا مع الأكراد وأوقف دفعات مخصصة لتغطية رواتب الموظفين في الإقليم، لحين تسوية خلافات معقدة بشأن إدارة موارد نفط المنطقة الكردية ومنافذها الحدودية مع تركيا وإيران.
ويقول مراقبون إنّ الأزمة المالية الأخيرة كانت شديدة الوطأة على سلطات الإقليم الكردي، بسبب تزامنها مع تداعيات جائحة كورونا، ما قد يفسر التفاهمات المفترضة بين أكراد العراق وتركيا للحصول على مساعدات عاجلة.
ويخشى عراقيون من أن يكون التدخل العسكري التركي في بلادهم أبعد مدى من مجرّد ملاحقة عناصر حزب العمّال، وأنّه امتداد للمطامع التركية في أراضي جيرانها والذي تجسّده أنقرة بالسيطرة على أجزاء واسعة من شمال وشرق سوريا باستخدام الذريعة ذاتها وهي ملاحقة التشكيلات الكردية المسلّحة التي تصنّفها أنقرة تنظيمات إرهابية.
وتقول مصادر عراقية إنّ ملامح شريط أمني تركي بدأت تتشكّل في عمق الأراضي العراقية، متوقّعة عدم انسحاب تركيا من مناطق عملية مخلب النمر بالنظر إلى سوابق حكومة أردوغان في سوريا، وحتى في العراق حيث ترفض أنقرة منذ سنوات إخلاء مجموعة من القواعد العسكرية التي أنشأتها داخل الأراضي العراقية وأهمها قاعدة بعشيقة قرب الموصل.