نازحو العراق.. بين الإعادة السريعة والإعمار البطيء
الحياة العراقية
بوتيرة متسارعة، تغلق السلطات العراقية مخيمات النازحين تباعا، على أمل إغلاق ملف النزوح نهائيا قبل انتخابات برلمانية مبكرة في 10 أكتوبر/ تشرين أول المقبل.
وبينما تصف السلطات عودة النازحين إلى مناطقهم المحررة من تنظيم “داعش” الإرهابي بـ”الطوعية”، يشكو نازحون من “إجبارهم” على العودة إلى مناطق مدمرة بلا خدمات ولا بنى تحتية.
فمنذ إعلان بغداد الانتصار على مسلحي “داعش”، في ديسمبر/ كانون أول 2017 وحتى يناير/كانون ثاني الجاري، أغلقت وزارة الهجرة والمهجرين 146 مخيما للنازحين من أصل 174.
وتوجد تلك المخيمات في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين (شمال) والأنبار(غرب) وديالى (شرق) وبغداد (وسط) وإقليم كردستان (شمال).
والموصل، مركز نينوى، هي أكثر المدن التي تعرضت لدمار التهم نحو 80 بالمائة من المنازل والبنى التحتية، بحسب الحكومة، ولا تزال عملية إعادة إعمار تسير ببطء شديد؛ بسبب قلة المخصصات المالية.
وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عام 2018 عدد المنازل المدمرة في الموصل وحدها، جراء العمليات العسكرية، بـأكثر من 21 ألف منزل.
982 ألف عائلة
قال علي جهانكير، المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، إن “عدد العائلات التي نزحت من المحافظات التي شهدت هجمات داعش عام 2014، بلغ 982 ألف عائلة، بمتوسط عدد أفراد للعائلة الواحد 5.7”.
وبداية من صيف 2014، اجتاح مسلحو “داعش” نحو ثلث مساحة العراق، قبل أن تعلن بغداد، أواخر 2017، استعادة تلك الأراضي، إثر عمليات عسكرية دعمها تحالف عسكري دولي، بقيادة الولايات المتحدة.
وأضاف جهانكير أن “576 ألف عائلة نازحة عادت إلى مناطقها المحررة بين 2017 ومطلع 2021”.
وبدأت الحكومة العراقية، منتصف 2020، حملة لإغلاق مخيمات النزوح، ضمن خطة تستهدف إغلاق ملف النزوح قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة.
وتلك الانتخابات هي أحد مطالب احتجاجات شعبية غير مسبوقة، بدأت في أكتوبر 2019، وتتهم النخبة الحاكمة منذ 2003 بالفساد والتبعية للخارج.
وأوضح جهانكير أن “أغلب النازحين يتركزون حاليا في مخيمات بمحافظات أربيل ودهوك والسليمانية بإقليم كردستان بنحو 40 ألف عائلة، فيما لا يزال نحو 2300 عائلة في أحد مخيمات الموصل، و900 عائلة في مخيم عامرية الفلوجة بمحافظة الأنبار”.
وتابع: “تم إنشاء 174 مخيما للنزوح في عموم العراق بعد اجتياح داعش للمناطق صيف 2014، ولا يزال 28 مخيما لم تُغلق، هي 26 في إقليم كردستان ومخيم في الموصل وآخر في عامرية الفلوجة”.
مناطق مدمرة
ومقابل الحديث الرسمي عن كون العودة “طوعية”، يشكو بعض النازحين من تعامل السلطات معهم في ملف إغلاق المخيمات، ومنهم منى جبار (47 عاما)، وهي نازحة من الموصل إلى مخيم “السلامية” في المدينة، والذي أُغلق مؤخرا.
وقالت منى إن بعض العائلات، ومنهم عائلتي، أُجبرت على ترك مخيمات النزوح في نينوى، ضمن خطة الحكومة لإنهاء ملف النزوح في البلاد.
وتابعت: “جميع النازحين يريدون العودة إلى مناطقهم المحررة، لا أحد يرغب في البقاء ليوم واحد في مخيمات النزوح، لكن العودة إلى مناطق مدمرة لا تتوفر فيها متطلبات العيش هو أمر يضيف لنا معاناة كثيرة”.
وأردفت: “بالرغم من سوء الأوضاع في مخيمات النزوح، لكن هناك دعما حكوميا للعائلات في مجال الأغذية والمساعدات الطبية، وهي لا تتوفر عند إعادة النازحين إلى مناطقهم، وخصوصا في الأحياء المدمرة بالموصل، والتي تفتقد إلى البنى التحتية”.
وزادت بأن “بعض العائلات طلبت ترك مخيمات النزوح لأن لديهم أقارب ممكن أن يستضيفونهم، لكن غالبية العائلات الأخرى لا تمتلك مأوى، وإجبارهم على ترك مخيمات النزوح يقود إلى المجهول”.
وفي نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية أوروبية مقرها جنيف)، إن خطة العراق لإغلاق المخيمات وإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية “غير آمنة على حياة النازحين”.
وأضاف المرصد، في بيان، أن “القرار (إغلاق ملف النزوح) قد يترك مئات الآلاف من النازحين بلا مأوى بعد تدمير منازلهم أثناء المواجهات مع تنظيم داعش الإرهابي، لا سيما في ظل عدم وجود خطة واضحة لإعادة إعمار مناطقهم الأصلية التي تفتقر إلى مقومات الحياة”.
متطلبات أساسية
قال رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، إن إغلاق مخيمات النزوح كان يفترض أن يسبقه توفير الآليات المناسبة لإعادة النازحين إلى مناطقهم.
وأضاف أن “النازحين عانوا ظروفا صعبة طيلة السنوات الماضية في مخيمات النزوح، وكان من المفترض أن تتولى الحكومة توفير البيئة المناسبة ليتمكنوا من العودة إلى مناطقهم”.
وتابع: “هناك ضرورة لوضع حلول عاجلة من قبل الحكومة تضمن توفير المتطلبات الأساسية لتلك العائلات للعودة إلى مناطقها الأصلية، عبر إعادة إعمار البنى التحتية والمنازل”.
وأردف: “لا يزال الكثير من النازحين غير قادرين على العودة لمناطقهم الأصلية نتيجة تدمير منازلهم خلال الحرب، فضلا عن عدم توفر البنى التحتية الأساسية للخدمات وعدم استقرار الوضع الأمني”