القضاء يفتح ملف الايزيديين في العراق
الحياة العراقية
فتحت صحيفة “القضاء” في عددين متتاليين ملفا يتعلق بالطائفة الإيزيدية إحدى أعرق الطوائف الدينية في العالم، والتي تتركز في سنجار شمالي نينوى، وتشكل لونا أساسيا لتنوع هذه المحافظة اجتماعيا وعرقيا، وفيما يتناول الجزء الأول من هذا الملف الجانب المدني ومعالجة القضايا الشخصية لأبناء الطائفة، يسلط الجزء الثاني الضوء على الجانب الجزائي ويعرض قصصا مأساوية عمّا تعرض له الإيزيديون إبان اجتياح تنظيم داعش الإرهابي مدينتهم.
والايزيديون طائفة دينية من ضمن الطوائف غير الاسلامية في العراق والمعترف بها رسمياً بموجب نظام رعاية الطوائف الدينية العراقي رقم (32) لسنة 1981 وملحقه المتضمن تعدادا لتلك الطوائف الدينية البالغ عددها سبع عشرة طائفة ومن بينها الطائفة الايزيدية من منطلق نص المادة (14) من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 باب الحقوق والحريات/ فرع الحقوق المدنية والسياسية التي منحت للعراقيين حق المساواة امام القانون دون تمييز بين الجنس او العرف او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد اوالرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي والتأكيد على الالفة والتأخي والتعايش السلمي بين الاديان والطوائف في ظل القوانين واحترام حقوق الاخرين واديانهم ومعتقداتهم.
وبصدد حرص السلطة القضائية في العراق على صيانة حقوق أبناء الشعب العراقي بمختلف أطيافهم ومللهم وفقاً لما نصت عليه القوانين والتشريعات وما نصه الدستور العراقي تفتح (القضاء) ملف طائفة مهمة وموغلة بالقدم في العراق تعرضت للحيف والظلم والتنكيل إبان الهجمة الداعشية على العراق في صيف العام 2014. مستعرضة عبره قضاياها ومشاكلها كما وردت على لسان المختصين من أبناء الطائفة واراء وطروحات قدمها قضاة ملمين بهذا الجانب الحيوي المهم.
الايزيديون والاحوال الشخصية
تعد مسائل الأحوال الشخصية التي يتميز بها الإنسان عن غيره ذات أهمية كبيرة، لما يترتب عليها من آثار قانونية واجتماعية. وللحديث عن هذا الجانب المهم المتعلق بالحياة الاجتماعية لأبناء الطائفة الأيزيدية، أجرت الصحيفة لقاء مع القاضي بشار أحمد الجبوري رئيس محكمة استئناف نينوى الاتحادية، وطرحت عليه سؤالا يتعلق بسريان أحكام قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 على أبناء الطائفة اليزيدية في ما يخص مسائل الزواج والطلاق وبقية مواد الأحوال الشخصية لهم.
يقول القاضي بشار أحمد الجبوري رئيس محكمة استئناف نينوى الاتحادية إن “أحكام قانون الأحوال الشخصية لا تسري على العراقيين المستثنين بقانون خاص عملاً بأحكام الفقرة (1) من المادة الثانية منه التي تنص على أنه: ((تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلا من استثني منهم بقانون خاص))، والمقصود بالعراقيين المستثنين بقانون خاص هم العراقيون من أبناء الطوائف الدينية غير الإسلامية المعترف بها رسمياً في العراق، بموجب نظام رعاية الطوائف الدينية رقم (32) لسنة 1981م، والبالغ عددها سبع عشرة طائفة. وتعد الطائفة اليزيدية من الطوائف الدينية غير الإسلامية المعترف بها رسمياً في العراق بموجب النظام المذكور آنفاً وملحقه المتضمن تعداد الطوائف الدينية المعترف بها رسمياً في العراق. وهذا الاستثناء من نطاق سريان قانون الأحوال الشخصية، يمكن استنباطه من دلالة إشارة نصي المادتين (11) و (13) من بيان المحاكم رقم (6) لسنة 1917، إذ أوجبت المادة (13) من البيان المذكور تطبيق القانون الشخصي أو العرف المرعي في مواد الأحوال الشخصية المنصوص عليها في المادة (11) من بيان المحاكم”.
احكام الارث والوصية
وعن القانون الشخصي لأبناء الطائفة الايزيدية أوضح رئيس الاستئناف قائلا “أن المقصود به هو الشريعة الدينية الخاصة، ويقصد بها النصوص الدينية وقواعد وتعاليم الديانة لأبناء الطائفـة، ذلك أنه ليس لأي من الطوائف الدينية غير الإسلامية المعترف بها رسمياً في العراق تشريعها الخاص المنظم لأحوالها الشخصية، إذ لم يصدر منذ تشكيل الدولة العراقية ولحد الآن أي قانون ينظم الأحكام الموضوعية لمواد الأحوال الشخصية لأيٍ من الطوائف المذكورة”.
وبالعود الى سريان قانون الأحوال الشخصية على الطائفة اليزيدية وبقية الطوائف غير الإسلامية أكد أن “قانون الأحوال الشخصية يعد القانون العام في مسائل الأحوال الشخصية، أما مصادر القاعدة القانونية الواردة في بيان المحاكم– فيما يتعلق بمواد الأحوال الشخصية لغير المسلمين– فإنها تعد قانوناً خاصاً. ويبنى على ذلك وجوب الرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية وتطبيق نصوصه في كل ما لم يرد بحكمه قاعدة قانونية خاصة، وعلى ذلك فان استثناء أبناء الطوائف الدينية غير الإسلامية، المعترف بها رسمياً في العراق من أحكام قانون الأحوال الشخصية ليس مطلقاً، بل هو مقيد بوجود القانون الشخصي أو العرف المحلي الذي يحكم مواد الأحوال الشخصية لأبناء هذه الطوائف، وعليه فمتى انعدم القانون الشخصي أو العرف المحلي الذي يحكم المسألة، انعدم الاستثناء المذكور وخضع أبناء هذه الطوائف لأحكام قانون الأحوال الشخصية في خصوص هذه المسألة.
تطبيق القانون الشخصي
وبخصوص كيفية معرفة وتطبيق القانون الشخصي المتمثل في النصوص الدينية وقواعد وتعاليم الديانة لأبناء الطائفـة، أجاب السيد رئيس الاستئناف:
إن معرفة وتطبيق القانون الشخصي الخاص بأبناء الطائفة، وكذلك الحال بالنسبة للعرف المحلي الخاص بأبناء الطائفة تتم بإحالة المسألة أو الدعوى إلى الرئاسة الروحانية ذات الصلاحية لأبناء الطائفة استناداً إلى المادة (16) من بيان المحاكم المعدلة بموجب المادة (18) من نظام المحاكم المدنية رقم (4) لسنة 1918 متى كانت الدعوى أو المعاملة مما يستدعي الفصل فيها على وفق القانون الشخصي أو العرف المحلي. وهذه الإحالة إلى العالم الروحاني مسألة جوازية وليست وجوبية استناداً إلى دلالة عبارة النص المتقدم، التي ورد فيها أنه ((… يجوز للمحكمة… ))، إلا أن القضاء العراقي استقر على اعتماد الإحالة لغرض الوصول إلى التطبيق السليم للقانون الشخصي أو العرف المحلي الخاص بأبناء الطائفة. كما أن هذه الإحالة مقيدة بشرط قبول هذه الرئاسة للإحالة، أما في حالة عدم قبول تلك الرئاسة للإحالة فيجوز للمحكمة أن تحيل المسألة إلى احد العلماء الروحانيين الواقفين على القوانين الشخصية أو العرف المحلي لأبناء الطائفة”.
من جهته سلط نائب رئيس محكمة استئناف نينوى الاتحادية القاضي (رائد حميد مصلح) الضوء على المعوقات والاشكاليات عند ابرام عقد الزواج وايقاع الطلاق عند الطائفة الايزيدية، لافتا إلى أن “مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين كالزواج والصداق والطلاق والتفريق والوصية والارث والوقف تعد من المسائل التي تتعلق بالعقيدة الدينية للطوائف الدينية، وان التدخل فيها يمس العقيدة الدينية وهو امر يتسم بالحساسية والاهمية في آن واحد، الامر الذي حدا بالمشرع العراقي منذ البداية الى ان يذهب لتطبيق الاحكام الفقهية الخاصة بالطوائف الدينية على المنازعات المتعلقة بأحوالهم الشخصية من قبل المحاكم المدنية المتمثلة بمحاكم (البداءة المواد الشخصية) التي يرأسها قاضٍ مدني من قضاة ذات المحكمة، فعندما تعرض عليه قضية فأنه يطبق ما تقضي به شريعة الطائفة الخاصة بعد مشورة واستفتاء (المرجع الديني) لتلك الطائفة. خاصة في المسائل المشار اليها انفا ويتمثل الاستفتاء بإحالة القضية الشرعية الى عالم ديني او فقيه لإبداء الرأي فيها وفقا لتعاليم وعادات الطائفة. كما ويجب على قاضي المحكمة ان يحكم بمقتضى هذا الرأي، إذ يكون ملزما للمحكمة في الحكم الا اذا كان مخالفا للنظام العام، فعندئذ يهمل الرأي وتطبق المحكمة احكام قانون الاحوال الشخصية.
ولفت القاضي الى ان اولى المشاكل التي اعترت تطبيق هذا النظام ان هذه الاحكام والبيانات المتعلقة بهذه الطوائف غير الاسلامية غير مدونة وليست مجموعة ضمن قانون واحد ليتسنى للجميع لاسيما السادة القضاة وافراد تلك الطائفة الاطلاع على مفرداتها، اضافة الى وشوب تلك التعليمات اللبس والغموض واعتراء النقض في كثير من بياناتها،،كما ان الطائفة الايزيدية لم تقنن احكامها تاركة إياها لاجتهادات ادت الى اختلاف الاحكام الصادرة ضمن مسائل مشابهة وهذا الخلل يتحمله كبار الطائفة.
حلول وتوصيات
وفي ظل مساع وجهود بذلت من القاضي تمثلت بتقديم طلب الى المرجع الديني الايزيدي (بابا شيخ) يتضمن ضرورة تقنين وصياغة الاحكام الفقهية والاعراف المرعية لدى ابناء الطائفة الايزيدية الخاصة بمسائل الزواج والطلاق وارسالها الى وزارة الاوقاف، تحدث القاضي رائد حميد مصلح قائلا:
تقدم المرجع الديني للطائفة بطلب الى مجلس القضاء الاعلى يتمثل بعدم احالة ابناء الطائفة الذين ينضمون زواجهم لدى رجل الدين الى محاكم التحقيق اسوة بأبناء الديانة المسيحية كونهم مستثنين من تطبيق قانون الاحوال الشخصية الخاص بالمسلمين، اضافة الى اعتبار مراجعة المحكمة من قبل ابناء الطائفة لابرام عقد الزواج مباشرة دون تنظيم مسبق للعقد من قبل رجل الدين كأنما يجري (عقد مدني) وقد حصلت موافقة مجلس القضاء الاعلى بموجب كتاب رئاسة هيأة الاشراف القضائي/لجنة الدراسات المرقم84/دراسات /2015(2155) بتاريخ 25/6/2015 المتضمن (ان احكام واجراءات عقود الزواج لابناء الطائفة الايزيدية تسري عليها الاعراف المرعية من قبل المرجع الديني وبناء على ذلك ان نص الفقرة (5) من المادة العاشرة من قانون الاحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل لا تسري على ابناء الطائفة الايزيدية عند اجرائهم عقود الزواج خارج محاكم المواد الشخصية ووفقا للاعراف والطقوس الدينية المرعية لديهم) واقترن ذلك بموافقة السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى المحترم.
دعوة مخلصة
وفي حديثه وجه القاضي (رائد حميد مصلح) عبر (القضاء) دعوة مخلصة الى الطوائف غير الاسلامية في العراق وبالاخص التي لم تقنن قوانينها وتعاليمها لحد هذا اليوم قائلا:
في الوقت الذي نحيا فيه بزمن الانفتاح والديمقراطية والحرية والالفة والتآخي واحترام القانون وحقوق الاخرين ودياناتهم ومعتقداتهم ادعو الطوائف الدينية الى المبادرة لتدوين احكامهم الشخصية وتقنين كافة الاعراف والتعاليم الدينية ولو داخليا على الاقل ليتسنى تطبيق هذه الاحكام في نطاق المحاكم بشكل عام ومن قبل السادة القضاة بشكل خاص.