سد النهضة.. أزمة تؤرق القاهرة والخرطوم ومجلس الامن يدخل على الخط
الحياة العراقية
بعد أن تعقدت الازمة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة اخرى، بشان سد النهضة، بدأت القاهرة اتصالات دبلوماسية واسعة مع مفوضية الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية، خصوصاً فرنسا وبريطانيا العضوين الدائمين في مجلس الأمن، وإستونيا والنرويج وإيرلندا الأعضاء الحاليين، لحشد رأي عام ضاغط داخل المجلس والجمعية العامة للأمم المتحدة، للخروج من المحاولة الحالية لتدويل قضية سد النهضة بفوائد أكثر إيجابية مما تم في الصيف الماضي بعد عقد جلسة مجلس الأمن الشهيرة في حزيران الماضي حول السد، والتي أسفرت عن استئناف المفاوضات في حينه تحت لواء الاتحاد الأفريقي.
ولم تفلح هذه النتيجة في إلزام إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق نهائي حول قواعد ملء وتشغيل السد.
المتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية، السفير عمر الفاروق، اعلن الثلاثاء الماضي، أنّ وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، طالبت مجلس الأمن بعقد جلسة في أقرب وقت ممكن لبحث تطورات الخلاف حول سد النهضة، وأثره على سلامة وأمن الملايين من الذين يعيشون على ضفاف النيل الأزرق والنيل الرئيسي في السودان ومصر وإثيوبيا.
في الاثناء بينت مصادر دبلوماسية مصرية، إن المرحلة الأولى من الاتصالات المصرية في أعقاب تقدّم السودان بشكوى رسمية وطلب عاجل لتحديد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة القضية قبل إتمام الملء الثاني للسد، تركز في الأساس على الدول الأوروبية، باعتبارها الأقوى والأكثر تأثيراً من الناحية العملية، ليس فقط داخل مجموعة الأعضاء الخمسة الدائمين (في إشارة لفرنسا وبريطانيا) إذا ما أُضيفت لهما الولايات المتحدة التي تميل للموقف المصري السوداني، بل أيضاً خارج هذه المجموعة داخل المجلس وفي الجمعية العامة، من خلال التأثير على الدول الصغيرة والهامشية.
فإستونيا ترأس المجلس حالياً، أما النرويج، فكانت لها مواقف إيجابية تجاه موقف دولتي المصب خلال عرض القضية في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية.
وفي المرحلة التالية ستجري مصر، بحسب المصادر، اتصالات مكثفة بالأعضاء الحاليين في مجلس الأمن الذين يُصادف أن بعضهم على قدر من الأهمية الكبيرة في محيطهم الإقليمي مثل الهند والمكسيك، لا سيما وأنّ الأولى تجمعها بالصين علاقة متوترة بسبب خلافات الأنهار التي وصلت إلى حد المناوشات العسكرية العام الماضي، وأخذاً في الاعتبار الموقف الصيني الرافض لتدويل أي قضية تخص الأنهار العابرة للحدود، واستخدامها المحتمل لحق النقض “الفيتو” ضد أي مشروع قرار لصالح مصر والسودان كما هددت العام الماضي.
وعلى النقيض من موقف تونس المساند لمصر والسودان، يأتي موقف النيجر العضو الثاني الممثل لأفريقيا بالمجلس مؤيداً لاستمرار مسار المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي وحده ورفض التدويل.
أما بالنسبة لفيتنام ودولة سانت فينسنت وغرينادين، فهناك تفاؤل مصري بوقوفهما إلى جانب دولتي المصب، قياساً بموقف الأولى الرافض للملء الأول، وبالتنسيق الناجح مع الثانية في قضية اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وبعض الملفات الأخرى.
وشددت المصادر على أنّ أقصى ما يمكن تحقيقه من هذه الجولة بناء على الشكوى السودانية والملفات المصرية التي قُدمت سلفاً منذ عشرة أيام، الإسراع في عقد جلسة عن بُعد يُدعى إليها وزراء خارجية الدول الثلاث، والقدرة على الدفع بمشروع قرار لمناقشته وخروجه في شكل بيان لمطالبة إثيوبيا بالالتزام الحرفي باتفاق المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في آذار 2015 وعدم الإضرار بالشعبين العربيين، وهو ما قد يؤدي إلى تفاعل أكبر من الدول الأوروبية، وكذلك من الصين وروسيا، لدفع أديس أبابا لتقديم تنازلات والتوصل إلى اتفاق نهائي، سواء على مرحلة واحدة كما تتمنى مصر، أو على مرحلتين آنية ومستقبلية محكومة بجدول زمني، كما اقترح السودان أخيراً.
وذكرت المصادر أنه من المستبعد للغاية حدوث أي تحول في موقفي الصين وروسيا -خاصة الأولى- من أجل عدم اعتبار جلسة مجلس الأمن المقترح عقدها لمناقشة أزمة دولية على المياه العابرة للحدود “سابقة يمكن تطبيقها مستقبلاً”. إذ إنّ الصين لديها بالفعل العديد من المشاكل الحدودية والسيادية المتعلقة بمناطق تشقها الأنهار، مما يجعلها تتخوف من أن تساهم اليوم في إرساء قواعد للتدخل الأممي لحل مثل هذه المشكلات، ولذلك فهي تفضل دائماً الترويج لفكرة حرصها على إجراء حوار خاص بين أطراف النزاع للتوصل إلى قواعد إطارية خاصة، بعيداً عن مجلس الأمن، كما تسعى هي حالياً لفرض الأمر الواقع في نزاعها الحدودي مع الهند.
وتحاول مصر من خلال اتصالاتها الحالية، التصدي أيضاً لضغوط الصين لإقناع مجموعة الـ77 النامية بدعم الموقف الإثيوبي، مستهدفة تكرار استصدار مواقف جيدة لصالح دولتي المصب من كل من الدومينيكان وإندونيسيا وفيتنام كما حصل العام الماضي، وهي الدول التي تحدثت صراحة عن ضرورة وقف أي أعمال أحادية من شأنها تعقيد الأوضاع، والمقصود بذلك ضرورة امتناع إثيوبيا عن إجراءات الملء لحين التوصل إلى اتفاق شامل.
وجددت مفوضية الاتحاد الأوروبي، عرضها للوساطة الفنية الإيجابية لحلّ القضية على أساس المقترح السوداني لتجزئة الاتفاق والذي تراه المفوضية قابلاً للتنفيذ ولتحقيق المنشود من الجانبين، الأمر الذي رحبت به مصر وطالبت بإعلانه رسمياً لتحريك المياه الراكدة.
من ناحيتها، تتمسك إثيوبيا بعدم الخروج من ساحة الاتحاد الأفريقي ليس فقط بسبب التعاطف والعلاقات القوية بين الطرفين، ولكن لأن لديها تصوراً بأنه يمكنها الزج بمادة في الاتفاق تجعل من الاتحاد الأفريقي مرجعية توفيقية “دبلوماسية” في حالة الخلاف مع مصر والسودان، وهو أمر ترفضه الدولتان اللتان تتمسكان بتنظيم آلية “قانونية” واضحة للتحكيم على ضوء الاتفاق الملزم المزمع الوصول إليه وكذا اتفاق المبادئ.
يذكر أن المفاوضات الفنية انتهت حتى الآن إلى الاتفاق فقط على قواعد الملء الأول الذي تم بالفعل، وحجم التدفق البيئي، والمبادئ التوجيهية للملء، والقواعد العامة لإدارة فترات الجفاف، وقواعد سلامة السد والمساعدة باستمرار تشغيله، ودراسات التقييم، وموعد تطبيق تلك القواعد، وهي لا تتعارض مع البنود التي ما زالت في إطار التفاوض، والتي هي بطبيعتها أكثر تفصيلية، وأبرزها منسوب المياه المطلوب ضمان استمراره لبحيرة سد النهضة في حالات الشح المائي والجفاف الممتد.