تاريخ من العداء بين المحامين وضباط الشرطة.. أزمة جديدة تفتح ابوابها في مصر
الحياة العراقية
غضب عدد كبير من محامي مصر، إثر واقعة اعتداء ضابط شرطة، يوم الخميس الماضي، على زميل لهم، في محافظة الإسكندرية، والشروع في قتله، لما مثلته هذه الواقعة من انعكاس لسلسلة متواصلة من الاعتداءات من جانب ضباط وأفراد الشرطة على المحامين.
فالعداء بين الطرفين متأصل في العلاقة الثأرية، حتى قبل اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2001.
وقرّرت الدائرة الجزئية لمحكمة جنح المنتزه في محافظة الإسكندرية، أمس الأحد، تجديد حبس ضابط الشرطة (عبد الرحمن الأزرق)، المتهم بالاعتداء بالضرب على المحامي إسلام إبراهيم، وذلك لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات، وذلك بعدما كان النائب العام حمادة الصاوي قرّر حبس الضابط لمدة 4 أيام احتياطياً على ذمّة التحقيقات، لتعديه على المحامي بالضرب داخل ديوان القسم، مُحدثاً له إصابات في الرأس، ونزفاً في المخ.
وبموجب القانون المصري، يعاقب كل شخص يعتدي على المحامي أثناء تأدية وظيفته، بالعقوبة ذاتها التي تقع على الشخص الذي يعتدي على من يعمل في القضاء، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، مع توقيع غرامة مالية مناسبة.
ملابسات واقعة الاعتداء على المحامي، كشفتها شهادات أسرته، وعدد من المحامين في الإسكندرية، إذ توجهت شقيقة المحامي، وجارة لها، إلى قسم شرطة المنتزه أول، لتحرير محاضر كل منهما ضد الأخرى بسبب مشاجرة كلامية، غير أن الضابط قرّر احتجاز شقيقة المحامي في القسم، من دون باقي أطراف المشاجرة، وهو ما رفضه المحامي، الذي دخل في مشادة كلامية مع الضابط تطورت إلى تشابك بالأيدي، ومن ثم أمسك الضابط بعصا كبيرة، وضرب المحامي بها على رأسه.
وتسببت الضربة في حدوث نزيف في المخ للمحامي، والذي يعاني في الأصل من سرطان في المخ، بعدها توجه إلى المستشفى، حيث أجريت له عملية جراحية لإيقاف النزيف، ثم نقل إلى وحدة العناية الفائقة.
واستمعت النيابة المصرية إلى المجني عليه، وشهود على الواقعة، واستجوبت المتهم في ما نُسب إليه من اتهام، وطلبت الاطلاع على التقارير الطبية المثبتة لإصابة المحامي، ومتابعة حالته الصحية حتى استقرارها، تمهيداً لعرضه على مصلحة الطب الشرعي.
غضب المحامين انصب على عدم التحرك الجاد من نقيب المحامين المصريين، رجائي عطية، وأعضاء مجلس المحامين، حيث اكتفى النقيب بالتصريح بأنه يتابع الموقف مع نقيب المحامين في الإسكندرية، عبد الحليم علام، مدعياً أن وزير الداخلية اللواء محمود توفيق أوقف الضابط المعتدي، ونائب المأمور، وأن النيابة العامة تؤدي واجبها على أكمل وجه.
وفي هذا الصدد، أعلن مجلس نقابة المحامين الفرعية في الإسكندرية، برئاسة عبد الحليم علام، التحقيق مع الضابط، وأمناء الشرطة، المتهمين بالاعتداء على المحامي، والتحفظ عليهم في قسم الشرطة، لحين سماع أقوال المحامي شاهد الواقعة، والطرف الثاني في الواقعة، وكذلك سماع أقوال نائب المأمور، والأفراد الذين كانوا متواجدين في القسم أثناء الواقعة محل التحقيق.
وأضاف المجلس أن “الحالة الصحية للمحامي المعتدى عليه في تحسّن، وهناك متابعة من مكتب النائب العام، والمحامي العام الأول لنيابات استئناف الإسكندرية، للتحقيقات أولاً بأول”.
واختتم بانه “نتابع التحقيقات عن كثب بحضور جميع أعضاء مجلس النقابة، وهي تجري بحيادية وشفافية ونزاهة، وصولاً واستجلاءً للحقيقة، ونثق في نزاهة وعدالة وحكمة النائب العام، ورجال النيابة العامة”.
وفي تموز عام 2019، وافق البرلمان المصري، نهائياً، على تعديل بعض أحكام قانون المحاماة، والذي حظر احتجاز محام أو القبض عليه أثناء مباشرته حق الدفاع، إلا في حالات التلبس، ما يتناقض مع بيئة العمل الحالية للمحاماة في مصر، ويجعل من تلك الحصانة مجرد ضمانة شكلية.
كما نصّ التعديل على أنه “لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد رؤساء النيابة العامة، أو قاضي التحقيق في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك، وبناءً على إذن من المحامي العام الأول”.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، نشبت أزمات عدة، أحيل بعضها إلى ساحات القضاء، بين نقابة المحامين في مصر ووزارة الداخلية، على خلفية ممارسة الأخيرة انتهاكات ضد محامين، دفعوا فيها حياتهم أو حريتهم أو كرامتهم ثمناً لها.
ففي تشرين الثاني 2014، دخل مئات المحامين في مدينة السويس، في إضراب عن العمل بجميع المحاكم والنيابات، اعتراضاً على تعدي ضابط شرطة مصري، على محام بالضرب.
وتجمع المحامون أمام ساحات محاكم السويس، وطالبوا بتقديم اعتذار رسمي من قبل وزارة الداخلية، عمّا بدر من ضابط الشرطة بحق المحامي، فضلاً عن مطالبتهم بالتحقيق العاجل في الواقعة.
وتعد الحصانة الممنوحة للمحامين في مصر بحسب القوانين ذات الصلة مجرد ضمانة شكلية.
ومثلت واقعة قتل المحامي كريم حمدي نتيجة التعذيب، في شباط 2015، على يد ضابطي أمن وطني، في قسم شرطة المطرية، شرقي القاهرة، عقب 48 ساعة من القبض عليه، أشد وأكثر الأحداث مأساوية بين الشرطة والمحامين في مصر.
وأفاد تقرير الطب الشرعي، آنذاك، بوجود كدمات في الرقبة من الأمام، وكدمة في الصدر من الناحية اليسرى، وفي القضيب، وإصابة في الأنف والرقبة من الناحية اليسرى.
وأصدرت محكمة مصرية، لاحقاً، حكماً على الضابطين المتهمين بقتل وتعذيب حمدي، بالسجن لمدة خمس سنوات.
وفي حزيران 2015، اعتدى نائب مأمور قسم “فارسكور” في محافظة دمياط، بالحذاء على أحد المحامين، وأصابه بجرح قطعي بالوجه والرأس وارتجاج في المخ، فهبّ المحامون وباشروا التصعيد.
غير أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تدخّل في الأزمة لإنهائها، وقال في أحدى لقاءاته، “بقول للمحامين كلّهم حقكم عليا، وأنا بعتذر لكم يافندم، وبقول لكل أجهزة الدولة من فضلكم، لازم نخلي بالنا من كل حاجة، رغم الظروف اللي إحنا فيها”، ملوحاً من جديد بمزاعم “الحرب على الإرهاب” التي تخوضها أجهزة الدولة.
وتوالت الاعتداءات على المحامين حتى تشرين الثاني 2018، حيث قتل المحامي أحمد السيد نعمة الله برصاص الشرطة أثناء وجوده مع اثنين من موكليه، بزعم أن الموكلين مطلوبان للعدالة.
وفي تشرين الأول 2019، اعتدى ضابط شرطة على محام في قسم شرطة المحلة، ما أدى إلى إحداث إصابات وكدمات بالغة في وجه الأخير، وفي أنحاء متفرقة من جسده.
وتجمهر محامون أمام قسم شرطة المحلة، اعتراضاً على الاعتداء على زميلهم من قبل ضابط الشرطة، مطالبين نقابة المحامين المصرية بالتدخل الفوري، ووقف التعدي على أعضائها، واتخاذ موقف حاسم بالتصدي لمثل تلك الوقائع المتكررة.
كذلك تعرضت المحامية آية عبد الرحمن للضرب المبرح في العام ذاته بمحافظة الشرقية، حين اعتدى عليها أحد أفراد الأمن وضربها بكعب سلاحه الميري على رأسها بوحشية، لمجرد أنها سألت قوات الشرطة عن وجود إذن من النيابة العامة لتفتيش منزل عمّها، لتحتجز بعدها في العناية المركزة نتيجة إصابتها بارتجاج في المخ كاد أن يودي بحياتها.
كل هذه الاعتداءات المتكررة، قوبلت بمواقف قلّت حدتها كثيراً مع تقدم السنوات، وبتطور علاقة نقباء المحامين مع النظام المصري، وهي الظاهرة التي رصدتها “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” (منظمة مجتمع مدني مصرية)، في تقرير بعنوان “نقابة المحامين… فاعلية ماضية وحاضر مطيع ومستقبل غائب”.
ورصدت الشبكة تاريخ نقابة المحامين الذي يعكس تماماً تطور حالة الحقوق والحرّيات العامة وتراجعها، وكجزء فاعل في تركيبة مؤسسات المجتمع المدني المصري.
ووفق التقرير، فقد “ساهمت نقابة المحامين المصريين في الحياة العامة، وخاضت معارك، انتصرت وتراجعت.
وكانت دائماً السلطة حاضرة، إما برفق أو بصناعة ترتيب مرض لها، أو بالتدخل المباشر، وكان الهدف دائماً تطويع نقابة المحامين وجعلها ضمن المؤسسات المطيعة، حتى لو تعارض ذلك مع دورها الأصيل في الدفاع عن حقوق ومصالح أعضائها”.
ورأت الورقة القانونية أن نقيب المحامين الحالي، رجائي عطية، ينافس على التطويع، وهو الذي خاض انتخابات نقابة المحامين على مقعد النقيب ثلاث مرات سابقة، قبل أن ينجح نقيباً في المرة الرابعة، على الرغم من أن الذين أسقطوه ثلاث مرات، هم ذاتهم من منحوا له أصواتهم.
وقالت الشبكة انه “المؤكد والمعلوم أن التصويت له كان عقاباً للنقيب السابق سامح عاشور، على مجمل أداء نقابي ضعيف وفردي، اعتاد على الاعتماد على جماعات مصالح تتصل بمخالفات لم تعد خافية”.
ولا يتميز عطية عن عاشور إلا في أمرين: الأول يتمثل في ملاحقة أوجه الفساد المستشري في نقابة المحامين، والثاني هو عدم اعتماده على شلة أو جماعة تدافع عن قراراته في أوساط المحامين، حتى لو خالفت القانون، وخاصمت المنطق، بحسب الورقة.
وتولى رجائي العديد من القضايا التي شغلت الرأي العام في مصر، ومنها اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وقضايا جماعة التكفير والهجرة، غير أن مواقفه كانت دائماً مثيرة للجدل، حيث كان محامياً للمرشح الرئاسي السابق، أحمد شفيق، ومن أشد المؤيدين لتسليم جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية، بالمخالفة لأحكام القضاء المصري.