جــــريـمــة إصـــــدار صــــك مــــن دون رصـــيد فــــي القانـــتون العراقـــــي
الحياة الاخبارية
بغداد / غسان مرزة
تعتبر جريمة إصدار صك من غير رصيد تعتبر من الجرائم ألحديثه فهي من إفرازات الثورة الصناعية فبعد إن تم تشغيل العمال من قبل أصحاب العمل في مصانع بعيدة عن المدن وخشية تعرض أموالهم للسرقة أودعوها في المصارف فيقوم صاحب المصنع بتحرير ورقة للمصرف الذي أودع فيه الرصيد ليدفع الأخير أجور العاملين بعد إن يضع على الورقة اسمه وتوقيعه وبذلك أصبحت تقوم مقام النقد بالوفاء حيث يقوم المصرف بأداء قيمته إلى المستفيد بمجرد الاطلاع و قد أدى تداول الصكوك إلى التقليل من تداول الكتل النقدية في السوق وامن للتجار من عدم حمل أوراق مالية كبيرة خشية تعرضهم للسرقة فأصبح يكفي إن يحمل الشخص ورقة صغيرة فيها مبلغا كبيرا مسحوبا على مصرف أو على شخص أخر صيرفي في الدولة التي تأخذ بذلك فيدفع له في مكان الأداء هذا المبلغ .
حيث انه لا توجد هناك جريمة أثارت جدلا فقهيا وقضائيا ولا زالت مثل جريمة إعطاء صك بدون رصيد بسبب غموض أو عدم وضوح الفكرة في التشريع وعدم تطابقها من حيث إن القانون الجنائي يقوم على أسس تختلف عن الأسس التي يقوم عليها القانون التجاري فقواعد القانون الجنائي آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها والقصد منها تعزيز ثقة المتعاملين بالصك حماية له من المحتالين ، وقد زاد من هذا التناقض والتضارب وعدم الاستقرار في إحكام المحاكم هو اختلاف قانون التجارة عن قانون العقوبات في الشروط الواجب توفرها في الصك.
و قد اختلفت التشريعات بمعالجتها لهذه الجريمة ، وابتداء لم ينص عليها القانون باعتبارها فعلا محرما ولكن بعد مرور فترة من الزمن فان بعض التشريعات قد نصت على تجريمها ووضع العقوبة المناسبة لها وذلك في حالة تحقق احد الصور الركن المادي وهناك بعض التشريعات من استوجب قصدا عاما لهذه الجريمة ولكن هناك تشريعات أخرى استوجبت إضافة إلى القصد العام وجود قصد خاص لدى المتهم بتوفر النية السيئة عند إعطاءه الصك للحصول على مال الغير بطرق احتيالية وهي تحرير الصك موهما إياه بان لديه رصيد بالمصرف وكان من ضمن التشريعات التي أخذت بالرأي الأخير قانون العقوبات العراقي النافذ المرقم 111 لسنة 1969 في المادة 459 منه.
كما إن المحاكم أيضا قد اختلفت في النظر لهذه الجريمة حيث اعتبرت إن الصك الذي نقصت احد شروطه الشكلية أو تخلف احد شروطه الموضوعية صكا ناقصا أو باطلا وبالتالي فلا عقوبة عليه ، ومحاكم أخرى اعتبرته جريمة احتيال ، وأخرى اعتبرت الصك أداة ضمان وذلك لعدم إمكان اعتباره ورقة تجارية ، كما إن هناك محاكم اعتبرت الصك أداة واجبة الدفع بمجرد الاطلاع سواء توفرت فيه كافة شروطه الموضوعية والشكلية أم لم تتوفر باعتبار إن ذلك يخل بالثقة التي أودعها المشرع في الصك باعتباره أداة وفاء تقوم مقام النقود.
يقول القاضي خضير كاظم رسن نائب رئيس محكمة استئناف بغداد / الرصافة انه لم ينص قانون التجارة النافذ رقم 30 لسنة 1984 على تعريف محدد للصك أو الشيك , ولكن هناك تعريفات متقاربة أجمع عليها فقهاء القانون من حيث المضمون ومنها ” انه عبارة عن محرر منظم وفق شروط نص عليها القانون بموجبه يأمر الساحب شخصاً مسحوباً عليه بأن يدفع مبلغ معين لشخص ثالث أو لحامله – المستفيد ” ، كذلك عُرّف بأنه
“ورقة شكلية يصدر فيها شخص – الساحب – امرأ إلى بنك بأداء مبلغ معين بمجرد الاطلاع عليها أو إلى شخص مسمى أو لأمره أو إلى حامل الورقة ” .
وأشار رسن إلى إن لفظ ( الصك ) قد حل محل لفظ ( الشيك ) الذي ورد في قانون التجارة العراقي وذلك بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 147 في 25/5/1991 أينما وردت في القوانين والأنظمة والتعليمات والأوراق المالية ، وقد نظم المشرع العراقي الأحكام الخاصة بجريمة إعطاء صك دون رصيد في المادة 459 من قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969 حيث نصت الفقرة الأولى منها على فرض عقوبة الحبس التي قد تصل إلى خمس سنوات مع الغرامة أو بإحداهما لمن أعطى بسوء نية صكاً ( شيكاً ) وهو يعلم بأن ليس له مقابل وفاء كافٍ قائم وقابل للتصرف فيه أو استرد بعد إعطائه إياه كل المقابل أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته أو أمر المسحوب عليه بعدم الدفع أو كان قد تعمد تحريره أو توقيعه بصورة تمنع من صرفه .
وأضاف رسن إن المشرع قد فرض في الفقرة الثانية نفس العقوبة السابقة على من ظهر لغيره صكاً أو سلمه صكاً مستحق الدفع لحامله وهو يعلم إن ليس له مقابل يفي بكل مبلغه ، وتجدر الإشارة إلى إن الفقرة رقم (3) من المادة 459 والتي كانت تفرض عقوبة السجن المؤقت والغرامة بعشرة أضعاف قيمة الصك المزور أو المسروق لمن زوّر أو استخدم صكاً مسروقاً وهو على علم بذلك , وقد ألغيت بموجب قرارات الحاكم المدني لسلطة الاحتلال بعد عام 2003 وأصبحت هذه الجرائم تنظر من قبل المحاكم ضمن جرائم التزوير والسرقات المنصوص عليها في قانون العقوبات .
وعرج رسن يلزم لإنشاء الصك نوعان من الشروط وحسب نص المادة 138 من قانون التجارة
العراقي , منها شروط شكلية وشروط موضوعية حيث تتمثل الشروط الشكلية بوجود محرر مكتوب وهو الذي يكون أداة وفاء صالحة للتداول بين الناس شأنه شأن النقود ، وكذلك من الشروط الشكلية هو توفر البيانات الإلزامية في الصك ومنها ضرورة وجود كلمة صك في الورقة المحررة وان لا يكون معلقاً على شرط بأداء مبلغ معين من النقود ، وأيضا وجوب اسم من يؤمر بالأداء ( المسحوب عليه ) مع تثبيت مكان الأداء وتاريخ إنشاء الصك واسم وتوقيع من أنشأه ( الساحب ) .
وتابع رسن أما الشروط الموضوعية فتتمثل بوجوب توفر الأهلية لدى الساحب لأن قانون التجارة العراقي اعتبر إن إنشاء الصك من الأعمال التجارية في المادة السادسة منه وتتحقق الأهلية بوصول الشخص إلى سن الرشد وهي ثماني عشرة سنة كاملة ، إضافة إلى وجوب إن يكون الرضا لدى الساحب صحيحاً وخالياً من عيوب الإرادة كما إن الصك يجب إن يكون دائماً محدداً بمبلغ من النقود وان كان غير ذلك أو كان مجهولاً فقد ترتب على ذلك بطلان الصك.
ويرى رسن انه لا بد إن يكون السبب في إصدار الصك مشروعاً لأن عدم المشروعية قد يؤدي إلى رد الدعوى المدنية ، أما من الناحية الجزائية فأن عدم المشروعية في السبب لا يؤثر على المسؤولية الجزائية إذا توافرت إحدى أركان جريمة إعطاء الصك دون رصيد لان الغاية من العقاب في تلك الجرائم هو حماية التعامل بالصكوك ولا مجال للبحث في أسباب إصدارها لأن ذلك يضعف الثقة الائتمانية بالصك ويعجزه عن النهوض بوظيفته الاقتصادية .
وبين رسن تعتبر جريمة إعطاء الصك من دون رصيد من الجرائم العمدية والتي يتطلب القانون لقيامها توافر ركنين أحدهما هو الركن المادي ويتمثل بفعل الإعطاء أو التسليم ، والركن الثاني هو الركن المعنوي ويتمثل بالقصد الجنائي ، أي اشتراط علم الساحب بعدم وجود الرصيد والذي أطلقت عليه المادة 459 من قانون العقوبات العراقي ( بسوء النية ) ، وان المشرع عالج هذه الجريمة في باب ( جرائم الاحتيال ) كونها تحمل في قوامها صورة من صور الخداع ، ولكي تكتمل الجريمة فلا بد من تحقق الركن المادي المتمثل بــعدة عواما منها :إعطاء الصك إي نقل حيازة الصك من الساحب وبإرادته ونقله إلى حيازة المستفيد بقصد تمكينه من استلام قيمة الصك ، عدم وجود الرصيد أو عدم كفايته ،استرداد مقابل الوفاء أو بعضه بعد إعطاء الصك ، أمر الساحب للمسحوب عليه بعدم الدفع ، تعمد تحرير الصك أو توقيعه بصورة تمنع من صرفه .
وأتم القاضي حديثة قائلاً إن الصك يلعب دوراً كبيراً في الحياة الاقتصادية في المجتمع فكان من الطبيعي إن يحيطه المشرع بضمانات كافية دعماً وتعزيزاً للثقة به وذلك نظراً لازدياد حالات استخدام الصكوك في خداع الجمهور من قبل الأفراد سيئي النية ، لذلك فرض القانون عقوبة جزائية متناسبة مع حجم هذه الجريمة ، فعقوبة إعطاء الصك دون رصيد أو تظهيره هي الحبس الشديد المطلق الذي يصل إلى الخمس سنوات مع الغرامة المحددة قانوناً ، إما جريمة تزوير الصك فهي تدخل في نطاق جرائم تزوير المحررات العادية والتي عالجتها المادة (295/1) من قانون العقوبات باعتبارها من جرائم الجنايات والتي تصل العقوبة فيها إلى السجن لمدة سبع سنوات ، ونعتقد إن ما فرضه المشرع العراقي من عقوبات لهذه الجرائم تعد كافية ومتناسبة وتحقق الردع المطلوب خصوصاً وأننا نلاحظ انحساراً كبيراً في ارتكاب تلك الجرائم منذ عام 2003 ولحد ألان بعد إن انتشرت انتشاراً كبيراً في عقد التسعينات في ظل التضخم المالي أبان فترة الحصار الاقتصادي الذي فرض.