الإجهاض.. جريمة يحاسب عليها القانون ويبيحها بشرط واحد
قد تحرم الطبيب أو القابلة من أعمالهم لمدة 3 سنوات
بغداد / علاء محمد
أكد قضاة جزاء أن الإجهاض، عملية محرّمة شرعيا ومجرّمة قانونيا، إذ تشكل جريمة يحاسب قانون العقوبات العراقي مرتكبها بعقوبات الحبس من سنة إلى سبع سنوات، وفيما كشفوا عن الطرق التي تستخدمها النساء في العادة لإجهاض الجنين، أوضحوا الحالات التي يبيح فيها القانون ارتكاب هذا الفعل.
والإجهاض ظاهرة اجتماعية خطيرة تمس المجتمع بأسره إذ كانت هذه الجريمة معروفة منذ أقدم العصور وعاقبت عليها معظم القوانين القديمة ففي التشريعات السومرية ورد في قانون (لبث عشتار) وهو خامس ملوك سلالة أيسن بخصوص الإجهاض إذ تضمن احد النصوص إيقاع الموت بابنة الشخص الذي يتسبب بموت ابنة شخص آخر بسبب ضرب وإجهاض الأم وموتها.
تاريخيا
أما في شريعة حمورابي وهي مجموعة قوانين بابلية يبلغ عددها 282 مادة قانونية سجلها الملك حمورابي سادس ملوك بابل، فقد وردت عدة مواد عن الإجهاض كجريمة، لكنها تطرقت إليها عند البحث في المواد المتعلقة بالضرب والجرح إذا وقع على امرأة حامل فسبب ذلك إلى إسقاط ما في بطنها إلا أنها لم تذكرها كجريمة مستقلة ومن اهم تلك المواد المادتين (209 و 210)، المادة نصت (209) بما معناه ان الرجل إذا ضرب ابنة رجل آخر وسبب لها إسقاط ما في أحشائها أي جنينها فيجب ان يدفع عشرة (شيقلات) وهي عملة سومرية أكادية بابلية قديمة جدا من الفضة وذلك بسبب إسقاط الحمل.
و بالنسبة للمادة (210) فقد اوضحت بأنه إذا توفيت تلك المرأة فيجب قتل ابنة الجاني. أما في التشريعات الاشورية فإنها أيضا بحثت في جريمة الإجهاض وقد تكلمت المادة (210) من النظام القانوني المطبق انذاك بأنه إذا تعرضت المرأة الحامل إلى إصابات حدثت من رجل وتبعها إسقاط فالعقوبة الضرب بالسوط (50) جلدة وغرامة مع قضاء شهر في خدمة الملك.
تعريفات
إلى ذلك، يقول القاضي رحيم حسين جياس، لـ”القضاء” إن “جريمة الإجهاض تعتبر من ضمن الجرائم التي تقع على أحاد الناس، إذ تقع على المرأة الحامل بوجه خاص، ويعني إخراج الحمل من الرحم في غير موعده الطبيعي عمدا وبلا ضرورة بأية وسيلة من الوسائل، كما عُرّف أيضا بأنه إخراج الحمل عمدا قبل أوانه بصرف النظر عن حياة الجنين أو قابليته للحياة أو هو إسقاط المرأة جنينها بفعل منها عن طريق دواء أو غيره أو بفعل من غيرها”.
طرق ووسائل
وأضاف جياس أن “ممارسة هذا الفعل قد يكون بواسطة استخدام وسائل صناعية لغرض إحداث الإسقاط وطرد الجنين من أحشاء أمه، كما أن هناك وسائل عنيفة تقع على الجسم وتكون في بداية الحمل كالضربات والرياضة البدنية العنيفة والصعود والنزول من سلم بكثرة وارتداء أحزمة ضاغطة والسقوط من مكان عال واستعمال حمامات ساخنة جدا وهذه وسائل تؤدي كلها إلى إسقاط جنين المرأة وطرح ما في بطنها فضلا عن ثقب الأغشية الجنينية واستعمال العقاقير أو المجهضات وهي بعض الأدوية أو الحقن”.
وردا على سؤال يتعلق بإمكانية مساءلة المرأة التي ترتدي ملابس ضيقة أو تؤدي ألعابا رياضية أو حركات عنيفة بقصد إسقاط جنينها، قال “إذا توافر القصد الجنائي فيمكن مساءلتها وفي هذه الحالة فإن إثبات القصد الجنائي يكاد يكون مستحيلا”، لافتا إلى أن “للوسيلة المستعملة أهمية خاصة مثلا في القانون المصري إذا كانت الضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء فإن الواقعة تكون جناية عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة أما إذا كانت الوسيلة اعطاء ادوية او استعمال وسائل مؤدية فان الواقعة تكون جنحة عقوبتها الحبس”.
أما في قانون العقوبات العراقي، يكمل القاضي: “لا توجد مثل هذه التفرقة فقد أوضحت المادة (417/ 1) من هذا القانون بأنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة مالية أو بإحدى هاتين العقوبتين) كل امرأة أجهضت نفسها عمدا بأي وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها ففي هذه الحالة تكون الجريمة جنحة بغض النظر عن نوع لوسيلة المستعملة، وهنا الإجهاض برضاها بينما في الفقرة الثانية من المادة نفسها قد بينت بأنه إذا أفضى الإجهاض أو الوسيلة المستعملة في إحداثه إلى موت المجنى عليها فتكون العقوبة مدة لا تزيد على سبع سنوات أي هنا تكون الجريمة جناية، أي مهما كانت الوسيلة مستعملة لإحداثه ولكن المهم هنا موت المجنى عليها في الحالة الثانية”.
من جانبه، يؤكد القاضي حسين عبد الرحمن كاظم ما ذهب إليه جياس، ويقول في حديث لـ”القضاء”، أن “قانون العقوبات العراقي يقضي بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة مع غرامة مالية لكل امرأة أجهضت نفسها بأية وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها، كما يعاقب بالعقوبة ذاتها من أجهضها برضاها، وإذا افضى الاجهاض إلى موت المرأة فتكون عقوبة المجهض السجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات ويعد ظرفا مشددا للجاني اذا كان طبيبا أو صيدلانيا أو كيميائيا أو قابلة أو احد معاونيهم وعلى المحكمة أن تأمر بمنعه من مزاولة مهنته أو عمله مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات”.
وأضاف أن “الدين الإسلامي يحرم الإاجهاض استدلالا بآيات تحريم قتل النفس وإهلاك الحرث والنسل مثل الاية 205 من سورة البقرة (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) وقوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) ومن هذا المنطلق فإن القانون العراقي لا يسمح بالإجهاض إلا في بعض الأحوال”.
وعن هذه الأحوال، تابع كاظم أن “أسباب الإباحة وموانع المسؤولية الجزائية تطبق على الإجهاض شأنه شأن أي جريمة متكاملة الأركان اذا ارتكبت في ظروف لا يمكن تطبيق نص التحريم عليها خاصة أنها تهدف من وراء ذلك إلى حماية مصلحة أولى بالاعتبار واستنادا لذلك هناك حالات إباحة فعل الإجهاض المجرم”.
وأكد أن من هذه الحالات “عندما يؤدي استمرار الحمل إلى تهديد حياة الأم وسلامتها من الخطر مع رفع مسؤولية من ارتكبها إذا توفرت جملة من الأسباب مراعاة للجانب الصحي والاجتماعي والاقتصادي وعلى هذا فينبغي على القضاء تطبيق نظرية الضرورة لإباحة الإجهاض عند توفر شروطها وفي أضيق نطاق وعدم التوسع في تفسيرها لان حالة الضرورة تطبق عندما يهدد الأم الحامل خطر جسيم وليس مجرد أخطار عادية أو أمراض يمكن علاجها بحيث يكون الإجهاض السبيل الوحيد للحفاظ على حياة المرأة الحامل”.