الاخبار الرئيسيةتقارير

تسول الأطفال.. ظاهرة تخيّم على الشوارع بلا حلول حقيقية

بغداد / إيناس جبار

وسط أحد الشوارع التجارية للعاصمة بغداد والمليئة بالمارة، استوقفت سيدة كبيرة السن وهي تصحب طفلا يافعا، عائلة تتجول لتطلب منهم المساعدة، لم تتردد ربة العائلة في منحها نقودا، لكنه كان فخاً!

تقول ربة الأسرة أم احمد، في العقد الرابع من عمرها: “تعاطفت مع السيدة العجوز ووقفت للحظات بعيدا عن عائلتي واستخرجت محفظتي وأعطيتهم ما قدره الله وبقيت المرأة الكهلة تدعو لي ولعائلتي وأنا أربّت على الطفل، وما هي إلا لحظات عندما ابتعدت عنهم لاقف أمام محل محاولة استخراج محفظتي لكنني أجدها”.

تضيف أم أحمد: “واصلت البحث، ثم استدرت فلم أجد المرأة العجوز ولا الطفل، فقد غادروا المكان الذي كانوا يجلسون عنده، وقد علم زوجي من أصحاب المحلات أن الكثير من حالات السرقة تحدث بهذه الطريقة أو أخرى مشابهة من قبل متسولي الحي”.

ويقول القاضي ناصر عمران، في حديث لـ”القضاء” إن “العقوبة المفروضـة علـى جريمـة التسـول المجـرد فـي المـادة (390) من قانون العقوبات لا تتناسب مع فعل التسول المجرد ولا تشكل رادعا وبحاجة إلى إعادة النظر فيها، وقبـل الولوج الى تقييم وتحليـل فاعلية النصـوص العقابيـة التـي عالجت التسـول كجريمـة مجـردة وليس فعلاً مقترنـا بجريمـة أخرى لابـد من تعريـف التسول”.

جذور تاريخية

ويعرفها عمران بأنها “ظـاهرة لـهـا تجذرها التاريخي قبـل أن تتخلى عن اسمها وتبرز باسـم جـديـد هـو (التسـول)، والمعنى الاصطلاحي للتسـول هو طلـب المـال أو الطعام خاصـة فـي الشـارع مـن النـاس واستجداء عطفهـم وكـرمـهـم إما بشـكوى سـوء الـحـال او بالأطفـال او بتصنع عاهـة جسدية او بعـرض العاهـة او الإلحاح بالاستجداء”.

ويواصل القاضي إن “التسـول ظـاهرة اجتماعيـة مـوجـودة فـي كـل زمـان ومكـان ولـم تقـف عنـد ذلـك بـل اسـتخدمها بديع الزمـان الـهمـدانـي صـاحب المقامـات المعروفـة فـي الأدب وبطلهـا (أبـو الفـتح الإسكندراني) وسـمي (ادب الكديـة) يتنــاول فيـه أصـحاب الكديـة بحـيلهم ولغتهم وأساليبهم التـي يستدرون بهـا عطـف النـاس ويتحصلون علـى مبالغ ماليـة او عطايـا أخرى وهـي فـعـل التسـول المجـرم حاليـاً”.

ولفت إلى أن “الكديـة او التسـول ظـاهرة سلبية خطيـرة لـهـا تـداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فضلاً عن أثارها القانونيـة باعتبارهـا سـلوكاً مجرمـاً الا ان الجميـع يتفـق علـى ضـرورة الاهتمـام بـهـم وإيجاد مؤسسات اجتماعيـة لإيـوائـهم وتوفير فرص عمـل ومصـادر رزق تحفـظ كـرامتهم”.

وينوه بأن “الدستور العراقـي فـي المـادة (٣٠) منه نص على ذلك: (أولاً: تكفل الدولة للفرد وللأسرة، وبخاصة الطفـل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش فـي حيـاة حـرة كريمـة تؤمن لـهـم الـدخل المناسب، والسكن الملائـم، وثانيـا تكفـل الدولة الضمان الاجتماعي والصـحـي للعراقيين فـي حـال الشيخوخة أو المرض أو العجـز عـن الـعمـل أو التشرد أو اليـتم أو البطالة، وتعمـل علـى وقـايتهم من الجهل والخـوف والفاقة، وتوفر لـهـم السكن والمناهج الخاصـة لتـأهيلهم والعنايـة بهـم، وينظم ذلـك بقـانون يلزم الدولة بالمحافظة على كرامـة الإنسان”.

الموقف القانوني

ويؤكد عمران أن “الموقف القانوني من جريمة التسول عالجها المشرع العراقي كجريمـة فـي الفصل الثامن من الباب الثامن تحـت عنـوان (الجرائم الاجتماعية ) حيث جاء نص المادة (390 ) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحـد ولا تزيد على ثلاثة أشهر كـل شـخص أتم الثامنة عشرة من عمره وجـد متسـولا فـي الطريق العام أو في المحلات العامـة او دخـل دون اذن منـزلا او محـلا ملحقـا بـه لـغـرض التسـول، وتكـون العقوبـة الحـبـس مـدة لا تزيـد علـى سـنة اذا تصنع المتسـول الإصابة بجـروح او عاهـة او استعمل ايـة وسـيلة أخرى مـن وسـائل الخـداع لكسب احسان الجمهور او كشـف عـن جـرح او عاهة او الـح في الاستجداء، اما اذا كـان مرتكـب هـذه الافعـال لـم يـتم الثامنـة عشـرة مـن عمـره تطبـق بشـأنـه احـكـام مسؤولية الأحداث في حالة ارتكاب المخالفة”.

ويوضح القاضي أن “المادة (٣٩١ ) نصت على أنه: (يجـوز للمحكمـة بـدلا مـن الـحـكـم علـى المتسـول بالعقوبـة المنصوص عليهـا فـي المادة السابقة ان تأمر بإيداعـه مـدة لا تزيد علـى سـنة داراً للتشغيل إن كـان قـادراً علـى العمـل او بإيداعـه ملـجـأ او دارا للعجـزة او مؤسسـة خيريـة معترفـا بـهـا اذا كـان عاجزا عـن العمـل ولا مـال لديـه يقتـات مـنـه، مـتـى كـان التحاقه بالمحـل المـلائـم لـه ممكناً)، في حين جاءت المادة (٣٩٢ ) لتـنـص على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا او بإحدى هاتين العقوبتين كـل مـن اغـرى شخصـا لـم يـتم الثامنة عشـرة مـن عمـره علـى التسـول. وتكـون العقوبـة الحـبس مدة لا تزيد على ستة أشهر والغرامـة التـي لا تزيـد علـى مـائـة دينـار او إحدى هـاتين العقوبتين اذا كان الجاني وليا او وصيا او مكلفا برعاية او ملاحظة ذلك الشخص)”.

من جانبه، تتحدث المحامية والناشطة المدنية علياء الحسني عن هذه الظاهرة، مؤكدة أن “الأطفال المتسولين الذين يلاحقون السيارات الفارهة طلباً وإلحاحا علهم من أجل أن ينالوا من المارة مبلغا نقدياً هي ظاهرة باتت معتادة ومنتشرة بشكل كبير حتى أننا اعتدنا مساعدتهم بشكل يومي دون أن نفكر بحل نهائي لهذه الظاهرة التي بدأت تتزايد وتتفاقم”.

الأسباب

وترى الحسيني أن “أسباب تفاقم هذه الظاهرة تتركز ارتفاع نسبة البطالة وانتشار حالات اليتم بشكل كبير في العراق وما يقف وراء انتشار هذه الظاهرة بلاشك هي الأسر والمجتمع، وبالتالي الحكومات قد جنت عليهم ودفعتهم إلى ما هم عليه الان فلم تلتزم بتوفير المأكل والملبس والأمان والتي تعد من واجبات كل دولة التزمت بضمانها دستورياً، فمن يستحق أن يدان هو المجتمع أسراً وحكومات وليس هؤلاء الضحايا الأطفال”، حسب وجهة نظرها.

وتواصل ان “التشريعات الوضعية عكست تناقضاً غير طبيعي في توجهاتها وسياستها إزاء هؤلاء الأطفال فهي في قسم منها تساعد هؤلاء الصغار وتدين من يتسبب في دفعهم الى الشوارع للتسول وفي قسم آخر ترى ان هؤلاء الأطفال والذين هم ضحايا الاعتداء والاستغلال بمثابة جانحين ومنحرفين وليسوا ضحايا لذا استوجب عقابهم”.

وأشارت إلى أن “الكثير من التشريعات تجرم فعل تحريض الأطفال والأحداث على التسول وتدين المسؤولين عن رعاية الطفل إذا ما أهملوا واجباتهم تجاهه مما دفعه الى التشرد وانحراف السلوك وتفرض عقوبة على هؤلاء المسؤولين عن الطفل إذا ما كانوا هم من دفعه لهذا التشرد والانحراف وفي الوقت نفسه تدين الطفل”.

تناقض تشريعي

وترى الناشطة الحسني ان “مشرعنا الجزائي العراقي قد سلك مسلكا غريبا متناقضا فكيف يعاقب الطفل إذا ما تسول ولم يعاقب من يحرضه ويغريه على التسول أيضا، فالطفل أصلا ما كان ليتسوّل لو لا وجود من يحرضه على ذلك ويدفعه عليه كونه لا يفقه إلا ما يلقنه إياه الآخرون، ولو رجعنا الى قانون رعاية الأحداث لوجدنا ان المشرع عد حالة التسول أحد الاوضاع المكونة لحالة التشرد بموجب المادة (24) وقرر في المادة (29) عقوبة الغرامة التي لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على خمسمئة دينار لولي الصغير او الحدث الذي أهمل رعايتهما بحيث ادى ذلك الى تشردهما او انحراف سلوكهما .

وتعرج بان “قانون العقوبات العراقي جعل من الطفل تارةَ مجرما وتارة مجنيا عليه في تناقض غريب, في حين جعله قانون رعاية الأحداث مشردا او منحرف السلوك وان لم يقرر له عقوبة جزائية ولكنه يعرض بموجب القانون على قاضي التحقيق الذي يحيله بعدها إلى محكمة الإحداث وهذا المسلك يعطي معنى الإدانة فعالا في المجتمع بدلا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى