مقالات
صراع العوائل في كردستان يوجه التظاهرات
حسن حامد سرداح
المتابع لخارطة التظاهرات التي شهدتها مدن اقليم كردستان وتحديدا (اربيل ودهوك) خلال الأيام الماضية، سيسجل العديد من “الحالات الغريبة” ومنها تغطية مواقع الكترونية “كردية” لتلك التظاهرات ونقلها ما يحصل بداخلها “بالحرف الواحد” ومن دون زيادة او نقصان، في حين تجاهلت تلك المواقع التظاهرات التي كانت تجوب مناطق مدينة السليمانية والتي تعرضت “للقمع” في اكثر من مناسبة، رغم مطالبتها بذات الحقوق التي رفعها متظاهرو عاصمة الاقليم ومسقط رأس زعيم حزبها الديمقراطي مسعود البارزاني.
لا تستغربوا من تلك الحقيقة فالمواقع الإخبارية تابعة لرئيس جهاز مخابرات الاقليم الذي يسمى محليا “باراستن” مسرور البارزاني، وتغطيتها لتلك التظاهرات لم تكن صدفة انما عن تخطيط ودراية تامة ليس حبا بالمتظاهرين او كما يفسرها البعض بأنها “للضغط” على الحكومة المركزية في بغداد، لإعادة النظر بحصة كردستان من الموازنة او زيادة الأموال المخصصة كرواتب لموظفي الاقليم، انما هي حلقة جديدة ضمن “مسلسل” الصراع العائلي بين النجل الأكبر لرئيس الاقليم السابق وبين “صهره” رئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني، والذي تعود بداياته لسنوات عدة بسبب رغبة مسرور بفرض سيطرته على جميع المفاصل “الحساسة” في كردستان واظهار نفسه “كخليفة” لوالده، لكن الصراع الذي كان “خفيا” ظهر للعلن بعد أزمة الاستفتاء الذي كان يعده نيجرفان وجناحه في الحزب الديمقراطي والبيشمركة ومنهم شقيقه سيروان البارزاني “خطوة مستعجلة”.
تطور الصراع “العائلي” دفع مسرور البارزاني للبدء بخطوات “جدية” استطاع من خلالها “تقويض” حكومة زوج شقيقته، او بشكل ادق العمل على اسقاطها بمختلف الوسائل ومنها التظاهرات في (اربيل ودهوك) التي ركزت على الغاء نظام الادخار الإجباري في رواتب الموظفين الذي وضعه نيجيرفان وأصر على تطبيقه،، ليجد البارزاني الابن في ذلك فرصة لإزاحة “عقبة” عائلية تقف امام طموحه في الوصول الى “هرم” السلطة واحياء احلام والده التي ضيعها الاستفتاء، ولَم يكتفي بدعم تلك التظاهرات انما “حرك” بعض مواليه في اجهزة الامن “لقمع” المتظاهرين والاعتداء عليهم في وقت كانت وسائل الاعلام الالكترونية التابعة له تنقل ما يحصل “بامانة” تامة، لتكون أشبه بلعبة “القط والفأر” لكنها بين اقطاب السلطة في حين الضحية هو دائما المواطن “المغلوب على أمره” والذي جعله مسرور “وسيلة” لتحقيق “أطماعه” تحت عباءة المطالبة بالحقوق.
قمع المتظاهرين واستخدام الأوراق الداخلية لم “تؤتي أكلها” بنظر مسرور فعمل على ايجاد جبهة خارجية تدعم تحركه فلم يجد غير طهران، حليف الامس والراعي الرسمي للحزب الذي أسسه جده المُلا مصطفى البارزاني، فراح يغازلها عن طريق المعارضين الكرد المقيمين على ارض كردستان والبحث عن صيغة مناسبة لإبعادهم، لتسجل اربيل في تلك الأثناء عملية اغتيال طالت المعارض الإيراني الكردي احمد احمدي كعربون “صداقة” وللحصول على دعم الجارة التي ترتبط بعلاقات قوية مع جميع الاحزاب الكردية تمكنها من اعادة ترميم “البيت الكردستاني”، لجوء مسرور لطهران له أسباب اخرى تتعلق بحالة “الجفاء” مع تركيا والدعم الذي قدمته ايران في الاونة الاخيرة لشخص برهم صالح الذي وجدت فيه حليفا جديدا بالإمكان تهيئته للمرحلة المقبلة عن طريق تشكيل حركة سياسية تشارك في الانتخابات المقبلة باسم “تحالف الديمقراطية والعدالة”، وهو ماجعل نجل البارزاني يسارع لتقديم “فروض الطاعة” لتصحيح ما افسده والده قبل فوات الاوان.
لكن اطماع مسرور في السلطة لم تقف عند هذا الحد، وجعلت الصراع يمتد خارج عائلة البارزاني ليشمل جميع المنافسين الذين سطع” نجمهم في الاقليم وهذه المرة كان لاهور شيخ جنكي ابن اخ زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني الراحل جلال الطالباني الذي يشغل منصب قائد جهاز مكافحة الاٍرهاب التابع للاتحاد، هو الهدف المناسب وخاصة بعد احداث كركوك وما رافقها من دخول القوات الامنية الاتحادية وانسحاب البيشمركة الاتحاد ورفضها مساندة حزب البارزاني في الاستفتاء او الاستمرار في “الاستحواذ” على كركوك، تلك المعطيات قد تعيد الصراع الأزلي بين العائلتين (البارزاني والطالباني)، لكن هذه المرة قد يحسم لصالح السليمانية لأسباب عديدة ابرزها، الانزعاج الداخلي والخارجي من عائلة البارزاني،.
الخلاصة.. ان اربيل لم تعد “ملاذا امنا” لمداحي السلطان والباحثين عن “الجوائز” من معارضي بغداد، لكونهم أصبحوا ورقة محروقة سيقدمها البارزاني الابن في اول “مساومة” للبقاء في السلطة ولضمان حسم الصراع العائلي لصالحه، اما المواطن الكردي المطالَب بحقوقه عبر التظاهرات فسيكون وسيلة مناسبة تستخدمها تلك الاحزاب في صراعاتها،،، اخيرا، السؤال الذي يبحث عن اجابة واضحة،، متى نودع ديكتاتور الاقليم وينتهي حكم العوائل؟..