الوجه الاخر للسيد عادل عبد المهدي
عمر العلي
تناول عدد من الاعلاميين العراقيين شخصية عادل عبد المهدي المكلف بتشكيل مجلس الوزراء بعدد غير قليل من المقالات التي تناولت سيرته السياسية وبعض جوانب من شخصيته الخاصة. وبصورة عامة فان تلك المقالات قدمت لنا الوجه السلبي للسيد عبد المهدي وذلك باتهامه بالانتهازية والشراسة وبالرجعية والبعثية والشيوعية والطائفية….الخ وساحتفظ بوجهات نظري حول تلك الاتهامات التي قد اتفق مع بعضها الا انني اختلف تماما مع اغلبها، وهنا اجد من المهم عرض الوجه الاخر للسيد عبد المهدي من خلال معرفتي القديمة به واعتمادا على المعلومات الشخصية المتواترة التي كانت تصلني عنه طوال السنين الماضية وذلك بسبب انعدام الصِّلة معه منذ سنوات طوال ولغاية الان. وأول ما يمكنني التاكيد عليه انه كان يتميز باخلاق عالية جدا في علاقاته بالآخرين وكان منتميا الى البعث الا انه لم يرتق في التنظيم ولَم يستلم أية مسؤولية حزبية معتبرة طوال فترة وجوده في الحزب ثم بعد الإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم انتمى الى الحرس القومي هو وشقيقه عادل الذي يتميز هو الاخر باخلاق عالية وسمعة عطرة الا انه كان مجرد عضو في هذا التنظيم شبه العسكري ولذلك فليس من المنطقي ان يكون لديه حق اعتقال شخص او التحقيق معه او تعذيبه حيث تشكلت في حينها وفِي وقت مبكّر لجان للتحقيق مع الموقوفين من الشيوعيين وغيرهم ممن اتهموا بمقاومة الثورة التي قادها البعث ضد قاسم وكان يرأس تلك اللجان في قاطع الكرادة الشرقية المرحوم المحامي عدنان الحمداني الذي اشترط في حينها عدم قبول تلك المسؤولية في حال التدخل في سير عمليات التحقيق من أية جهة كانت وعلى ما اعرفه فان السيد عادل عبد المهدي لم يكن عضوا في اَي لجنة من لجان التحقيق قطعا، ومن المعروف عن عادل عبد المهدي بانه كان مهتما بالمطالعة وقراءة الكتب وهو مثقف جيد ويملك واحدة من اكبر المكتبات الشخصية في بغداد وبحكم دماثة اخلاقه وطبيعته الهادئة وميله للحوار والنقاش الهاديء فقد تمكن من كسب طيف واسع من الأصدقاء الذين كان يحرص على إدامة علاقاته معهم طوال سنين عديدة من حياته وهو رجل يمقت العنف في العلاقات السياسية فيما تمكن من إقامة شبكة علاقات مع مؤسسات وتنظيمات وأحزاب عربية وفلسطينية وخصوصا بسبب التحاقه بالعمل الفدائي مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان يرأسها الدكتور جورج حبش ثم بعد انتقاله الى الجبهة الديمقراطية برئاسة نايف حواتمه وقبل تلك الفترة ترك السيد عبد المهدي حزب البعث ليصبح ماركسيا لعدة سنوات ثم لينتهي به المطاف عضوا في المجلس الاسلامي الأعلى بقيادة السيد باقر الحكيم وإذا كان البعض يعيب عليه هذه التحولات السياسية والانتماءات الحزبية فأنا لا اعتبر ذلك عيبا بل على العكس هي تعبير عن بحثه الدائم عن التنظيم الذي ينسجم وافكاره وقناعاته كما هي دليل على ان انتمائاته لتلك الحركات لم تكن انتماءات تقليدية عمياء فالحزب اَي حزب لم يكن هدفا في حد ذاته وإنما مجرد وسيلة لتحقيق اهداف سامية، وحينما لا اجد في انتمائي لهذا الحزب او ذاك ما يحقق الأهداف التي أناضل من اجلها يصبح عندها التخلي عن ذلك الحزب أمرا بديهيا ومطلوبا وهناك العديد من الشخصيات العربية والأجنبية مارست نفس الأسلوب ولكن لم تتهم بالانتهازية قطعا وآبرزها الشخصية الدولية المرموقة السيد محمد مهاتير رئيس الوزراء الماليزي الحالي الذي اضطر للتخلي عن حزبه الذي قام هو بتاسيسه ليشكل حزبا جديدا يخوض من خلاله اخر انتخابات برلمانية ويفوز ضد حزبه السابق ورئيس الوزراء المتهم بالفساد اما عن كيفية انتمائه الى المجلس الاسلامي الأعلى فان الرواية التي سمعتها من مصدر مقرب وخلاصتها ان السيد عبد المهدي كان يملك دارا متواضعة للطباعة والنشر في فرنسا قبل قيام الثورة الاسلامية في ايران وكان السيد باقر الحكيم حريصا بعد تلك الثورة على توسيع علاقاته ونشاطه الإعلامي في أوربا وبعد التحري والاستفسارات وجد في السيد عادل ضالته التي كان يبحث عنها فهو كاتب وناشر ويقيم في القلب من أوربا وهو ابن عائلة لها مكانتها الاجتماعية والسياسية الامر الذي دعا السيد باقر الحكيم للاتصال به ومن ثم جرى اللقاء بينهما فعرض السيد الحكيم رغبته بالتعاون فيما يتعلق بطبع ونشر كل ما يصدر عن المجلس الاسلامي من صحف ونشريات وبيانات بعد ترجمتها الى اللغة الفرنسية او غيرها من اللغات الأجنبية ولا شك بان هذا العرض لقي هوى في نفس السيد عبد المهدي نظرا لحاجته لعمل يدر عليه بعض ما يحتاجه من المال لإدامة عمله وتغطية نفقات مشروعه وهنا التقت المصلحة فيما بين الرجلين الامر الذي دفع بالسيد باقر الحكيم ليعرض بعد فترة من التعاون بينهما على عبد المهدي فكرة ان يكون ممثلا للمجلس في فرنسا ومعروف عن السيد عادل عبد المهدي خجله وتواضعه ودماثة اخلاقه التي لا تسمح له برفض ذلك العرض الذي جاءه من رجل بمقام السيد باقر الحكيم، وقد يستغرب البعض من حصول ذلك ولكن حصل انني التقيت اول مرة صحبة أصدقاء مع ممثل المجلس في لندن السيد حامد البياني وقد قال اثناء حديثه لنا انه ليس له علاقة بالمجلس لكن السيد باقر كلفه للقيام بهذه المهمة فقبلها خجلا. وبعد اخفاق العملية السياسية وأحزابها المختلفة في إدارة السلطة في العراق بعد الاحتلال الامريكي وفشلها الذريع في تحقيق اَي إنجاز لصالح الشعب العراقي بسبب اهتمامهم بعمليات الفساد والطائفية والارهاب ونهب ثروات البلاد طوال الأعوام التي اعقبت ذلك الاحتلال فقد نأى السيد عادل عبد المهدي بنفسه عن تلك التنظيمات بإعلان استقلاليته وعدم التزامه باي تنظيم. واليوم بعد ان كلّف “دستوريا” بتشكيل مجلس وزراء جديد فان السيد عادل عبد المهدي يضع كل ميزاته الإيجابية وأخلاقه وثقافته وتجاربه السياسية تحت اختبار عسير ويرهن تاريخه السياسي الذي يمتد لأكثر من نصف قرن على نجاحه في إنقاذ العراق من تلك الهوة السحيقة التي وضعه فيها زملائه وشركائه في العملية السياسية خصوصا وان البلاد تشهد تذمرا وسخطا واحتجاجات واسعة تعم مخت