كيف ندعم عبد المهدي بهمته ؟
د. صلاح عبد الرزاق
جاء ترشيح السيد عادل عبد المهدي ضمن توافق اقليمي ودولي وداخلي رصين بحيث انعكس ذلك بانسيابية تكليفه بتشكيل الحكومة بدقائق بعد انتخاب رئيس الجمهورية برهم صالح. صحيح أن تلك الدقائق كانت ثمرة مفاوضات واجتماعا وزيارات لعدة أشهر سبقت تكليفه، لكن تبقى سهولة تكليفه والاتفاق على ترشيحه لوحده مقارنة برئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية اللذين واجها منافسة شديدة من آخرين حتى وصلا إلى المنصب بجولات انتخابية شاقة. بالطبع منصب رئيس مجلس الوزراء في العراق هو المنصب الرئاسي الوحيد الذي لا يجري انتخاب صاحبه بل يتم ذلك من خلال التوافقات السياسية، حتى لو كان شخصاً غير منتخب أصلاً من قبل الشعب أي من خارج البرلمان. كما أن الدستور يمنع المنافسة لأنه يشترط على رئيس الجمهورية أن يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، أي مرشح واحد لا أكثر، ومن الكتلة الأكبر وليس من الكتل الأخرى.( المادة 76 من الدستور العراقي) يواجه السيد عادل عبد المهدي صعوبات جسيمة في قضيتين رئيستين: الأولى: اختيار اعضاء الكابينة الوزارية. إذ تتطلع الكتل الفائزة وخاصة التي تبنت ترشيحه إلى الحصول على مناصب وزارية أو عليا في الحكومة القادمة. وقد ترشح بأن السيد عبد المهدي طلب سير شخصية لخمسة مرشحين للمنصب الواحد، وأنه هو الذي يختار أحد المرشحين أو يرفضها كلها. بالطبع هذا يلبي فيه الاستحقاق الانتخابي للكتل الفائزة التي ستمنحه الثقة عندما يقدم كابينته الوزارية للبرلمان. وهذا يعني أنه غير ملزم كلياً بما ترشحه إليه الكتل بل باستطاعته اختيار مرشحين لوزارات ممن تتوفر فيهم المواصفات التي يسعى إليها عبد المهدي في الوزير القادم. وبإمكانه اختيار شخصيات من خارج الكتل السياسية سواء كانت مهنية أو سياسية وعسكرية وأكاديمية واقتصادية ومالية وخبراء في النفط والطاقة والصناعة والزراعة والتربية والصحة وغيرها. إن نجاح عبد المهدي سيعتمد بنسبة كبيرة على نجاح وزراءه في إدارة وزاراتهم ومعالجة الملفات المتعلقة بكل وزارة. كما أنه سيكون معنياً بأداء كل وزير ولا يتركه لشأنه كما حدث في الدورات السابقة. ومن تظهر عليه علامات الفشل والتراجع والتردد فمن حقه أن يطلب إقالته بموجب الدستور. من جانب آخر هناك مهمة إعادة صياغة النظام الداخلي لمجلس الوزراء بحيث تتجسد فيه الصيغة التضامنية في المسؤولية أولاً، وتحديد كيفية صنع القرار ورسم السياسات الخارجية والداخلية والمالية بموجب الدستور (المادة 78 والمادة 80) كما يجب أن يضع عبد المهدي برنامجه كقائد عام للقوات المسلحة لتعزيز الأمن والاستقرار ومواجهة بقايا داعش وفرض هيبة الدولة والقانون، ويدعم القوات الأمنية بكل صنوفها وأجهزتها والحشد الشعبي الذي يتطلع أن يكون مؤسسة أمنية فاعلة. الثانية: البرنامج الحكومي وهو المعول عليه لما يتمتع به السيد عبد المهدي من خبرة اقتصادية وإدارية أوضحها في مقالاته وكتاباته. إن عبد المهدي لديه أفكار كثيرة وعميقة لمواجهة مشاكل الاقتصاد العراقي والتمنية ومكافحة البطالة واستثمار عائدات النفط بشكل جيد ـ إضافة إلى دعم قطاعات الزراعة والصناعة والاسكان والنفط والكهرباء والخدمات بشكل عام. فالصورة واضحة أمامه بكل مشاكل العراق الحالية ، ولا أجد حاجة لأن يقترح عليه أحد ولكن إذا كان السيد عبد المهدي يرغب بمشورة خبير أو متخصص فبإمكانه القيام بذلك. ومن يرغب من السياسيين والخبراء بإسداء النصح إليه يفضل أن يرسلها إليه شخصياً وليس من خلال تصريحات سياسية في وسائل الاعلام. لنترك الحرية الكاملة للسيد عبد المهدي في تحديد معالم برنامج حكومته القادمة، ولا بأس من عرضه على السياسيين والمختصين أولاً ثم يعرض في وسائل الاعلام قبل التصويت عليه، كي يطلع الشعب والكتل السياسية على هذا البرنامج. نأمل من السياسيين أن لا يضغطوا على السيد عبد المهدي سواء بالترشيحات أو في الأسلوب الذي يتبناه في تشكيل حكومته، لأنه هو المسؤول عنها ، حتى لا يكون مجال للقول بأن الكتل السياسية قد عرقلت عمله، فالرجل تستحق كل الدعم حتى تنجح مهمته وينهض بالأداء الحكومي نحو الأفضل. وهذا واجب الجميع سواء من السياسيين والنواب والمثقفين والاعلاميين والمدونين في وسائل التواصل الاجتماعي.