أميركا وروسيا والصين.. أخطر وأسرع سباق تسلح في التاريخ
الحياة العراقية
ففي أحد الاجتماعات بنادي البحرية التابع للجيش الأميركي في أرلينغتون بولاية تكساس، مؤخرا، بعث اثنان من كبار مسؤولي الأسلحة في البنتاغون رسالة واضحة إلى غرفة مزدحمة من المديرين التنفيذيين في مجال الصناعات الدفاعية، قالا فيها إن الولايات المتحدة تخوض سباقا مع روسيا في تطوير الأسلحة الأسرع من الصوت “هايبرسونيك”.
وقال نائب وزير الدفاع حينها باتريك شاناهان، وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة “بيونغ يانغ”: “الأمر يتعلق بالتصنيع وليس بالعلوم”.
كما قال وكيل وزارة الدفاع لشؤون البحث والهندسة مايكل غريفين، إن متعاقدي الدفاع الأميركيين يجب أن يبدأوا في التحضير لإنتاج أسلحة تفوق سرعة الصوت في غضون السنوات القليلة المقبلة.
وأوضح غريفين أن هذا المجال ليس للجهود البحثية في المقام الأول، وإنما “لمحاولة للحصول على هذه الأنظمة في الميدان بالآلاف. سننشئ قاعدة صناعية جديدة لهذه الأنظمة “.
ويمكن للأنظمة فائقة الارتفاع أن تسافر بإضعاف سرعة الصوت بمعدل أكثر من ميل في الثانية، كما أنها تتيح للجيش الأمريكي تحييد الأهداف المعادية في أي مكان على الأرض في ساعة أو أكثر بقليل.
واقترح المسؤولون إمكانية استخدام مثل هذه القدرة للتدمير السريع لمواقع إطلاق الأسلحة النووية لدولة معادية، أو القيام بضربات دقيقة ضد قادة المنظمات الإرهابية.
ولدى كل من الجيش والبحرية والقوات الجوية برامج منفصلة لتطويرها وإدخالها في إطار جهود تُعرف باسم “الضربة العالمية السريعة”.
روسيا والصين
ويقول مسؤولون ومحللون إن الولايات المتحدة تحاول اللحاق بالركب في سباق عالمي للتسلّح الاسرع من الصوت ، بعدما تباهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأن بلاده طورت صواريخ ذات رؤوس نووية فائقة السرعة يمكنها أن تضرب الأهداف الأرضية بشكل رأسي من الطبقات العليا في الغلاف الجوي، وهو أمر من شأنه إحباط أنظمة الدفاع الصاروخية.
ويسود اعتقاد واسع أن للصين قدرات تسليحية تفوق سرعة الصوت، عملت على تطويرها في السنوات الأخيرة.
وذكرت شركة “جوفيني” لأبحاث السوق أن الشركات الدفاعية في الصين سجلت أكثر من 20 ألف براءة اختراع تتعلق بأبحاث التسلح فائقة السرعة، وقد زادت بمعدل 24 بالمئة بين عامي 2011 و2016، بينما انخفض عدد براءات الاختراع في روسيا والولايات المتحدة خلال الفترة نفسها.
ومن أجل اللحاق بالركب، أشار المسؤولون الأميركيون إلى الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت باعتبارها “أولوياتهم الأولى والثانية والثالثة” في عملية تطوير نظم التسلح.
وقد طالبت وزارة الدفاع بزيادة التمويل لبرنامج رئيسي لتطوير هذه الأنظمة، من 201 مليون دولار في عام 2018، إلى 278 مليون دولار في عام 2019.
سلاح ذو حدين
لكن في المقابل، يشعر المحللون وخبراء ضبط التسلح بالقلق من زعزعة الاستقرار الأمني الناجم عن أي استخدام متهور لهذه الاسلحة .
ويقول كينغستون ريف مدير سياسة نزع السلاح في رابطة الحد من التسلح، إنه قلق من احتمالية خطأ هذه الأسلحة، خاصة تلك المتعلقة بالقدرات النووية، وهو ما قد يزيد من خطر سوء التفاهم بين الدول النووية.
وأضاف: “في رأيي، فقط لأن روسيا والصين يهرعون إلى نشر هذه الأنظمة، لا يعني أننا بحاجة إلى القيام بذلك أيضا”.
فرصة استثمارية
وبالنسبة لمقاولي الدفاع، يُنظر إلى سباق التسلح الفائق السرعة على أنه فرصة استثمارية كبيرة.
وقالت لورين تومسون، المحلل الدفاعي البارز الذي يعمل مع شركة “لوكهيد مارتن ” وشركة “بوينغ”، إن هذا النوع من الأسلحة يجب أن يدر مليارات الدولارات على المدى الطويل، وأضافت:” نحن نتحدث عن فئة جديدة تماما من الأسلحة”.
ويتطلب تطوير واختبار الأنظمة التي تفوق سرعة الصوت معرفة وخبرة عالية التخصص، وهذا يعني أن السوق سيقتصر على عدد قليل من الشركات الكبيرة.
وفي مقابلة أجريت مع دورية “إنسايد ديفينس” الدفاعية، قال رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ جيمس إم إنهوف، إن الولايات المتحدة لديها فقط نفق وحيد للرياح قادر على اختبار أنظمة تفوق سرعة الصوت على نحو كاف.
ويقول محللون إن هناك 4 شركات فقط تمتلك الموارد الكافية والمعرفة اللازمة لإنتاج أسلحة تفوق سرعة الصوت، وهي “نورثروب غرومان”، و”بوينغ”، و”لوكهيد مارتن”، و”رايثيون”.
وقد برزت “لوكهيد مارتن” في ريادة الشركات التي يمكن أن تحقق الحلم الأميركي بالتفوق في هذا المجال.
ففي أبريل الماضي، تم منحها عقد بقيمة 900 مليون دولار لتطوير سلاح مضاد للأنظمة الجوية فائقة السرعة لصالح القوات الجوية، فيما فازت الشركة بعقد بقيمة 480 مليون دولار لإنتاج ما يُعرف باسم سلاح الاستجابة السريعة.
ولدى الشركة أيضا بعض الأبحاث مع وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة، وهي الذراع البحثية للبنتاغون.
وتضيف هذه العقود ما يصل إلى 1.5 مليار دولار في مجال الأسلحة فائفة السرعة، حسبما قال الرئيس التنفيذي لشركة “لوكهيد مارتن” مارلين هيوسون في مؤتمر للمستثمرين عقد مؤخرا.
وفي 21 نوفمبر الماضي، أعلنت البحرية أنها ستتجه أيضا إلى “لوكهيد مارتن” للحصول على عقد لبناء محركات الصواريخ وأجهزة إطلاقها، التي ستستخدم في رحلات تجريبية لبرنامجها الخاص بالأسلحة التي تعمل بسرعة الصوت.
وقال توماس بوسينغ، نائب الرئيس في “رايثيون”، إن شركته استثمرت مليارات الدولارات في أنظمة تفوق سرعة الصوت خلال العقد الماضي، قائلا إن هذه الأنظمة “ستغير قواعد اللعبة”.
وحتى في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لامتلاك اسلحة الضربات فائقة السرعة ، فإن أنظمة الدفاع الصاروخية التي من شأنها وقف مثل هذه الأنظمة هي في مراحلها الأولى من التطور.
ومنحت وكالة الدفاع الصاروخي التابعة لوزارة الدفاع مؤخرا عقودا لـ21 شركة مختلفة، لمواصلة تطوير خطط الأبحاث المبكرة لأنظمة الدفاع الصاروخية التي تفوق سرعة الصوت.
وتشمل أبحاث “بوينغ” في هذا الموضوع ورقة عن كيفية استخدام الطاقة الموجهة، أو أسلحة الليزر لإخراج الصواريخ فائقة السرعة من المجال الجوي.
وبحسب الأبحاث، تعمل مؤسسة “لوكهيد مارتن” على تصميم منظومة دفاعية تفوق سرعة الصوت في الفضاء، وفقا لوثائق العقود الحكومية العامة.
وتستكشف “رايثيون” و”لوكهيد مارتن” و”نورثروب غرومان” أنظمة الدفاع “غير الحركية”، وهو مصطلح عسكري يشير إلى شكل ما من أشكال الهجوم غير المادي، مثل الحرب الإلكترونية .
كما تبحث “رايثيون” و”لوكهيد” الصواريخ الاعتراضية فائقة السرعة، والنماذج المبكرة في هذا الإطار التي تحمل أسماء مثل “فالكيري” و”سكاي فاير”.
الهجوم أفضل من الدفاع
وقال غريفين إن الولايات المتحدة على بعد “سنوات، وليس أشهر، وليس عقودا” من امتلاك نظام دفاع صاروخي عملي قادر على وقف الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت.
وأضاف في مؤتمر صحفي مؤخرا: “أعتقد أنه سيكون لدينا قدرة دفاعية عملية بحلول منتصف العقد”.
وفي غضون ذلك، يقول المحللون إن معظم التمويل الأميركي للأسلحة التي تفوق سرعة الصوت يتجه نحو أسلحة الضربة الدقيقة، أو بمعنى آخر، الأسلحة الهجومية لا الدفاعية، بحسب كريس تايلور الرئيس التنفيذي في “جوفيني”.
ويقول محللون إن أحد أسباب هذا التوجه هو أن الأنظمة الهجومية أسهل تقنيا، وأقل في التكلفة من الأنظمة الدفاعية.
ويلخص بوسينغ، نائب رئيس “رايثيون”، هذه الحالة، بالقول إن خصوم الولايات المتحدة “يمكنهم إنفاق أموال أقل بكثير لجعل الولايات المتحدة تنفق الكثير من المال لمواجهتهم”.