الحركات السلفية الجهادية .. من منشأ الفكرة الى المناصرين
الحياة الاخبارية
حسين الخزاعي
تعتمد بالضرورة كل أيديولوجية على اصولها الفكرية ، والتي تسقتي منها الاهداف الاستراتيجية والمرحلية ، والتي على اساسها تنظم السياسات والبرامج الخاصة بالايدلوجية وتنمية مؤسساتها الحيوية . وتعود الاصول الفكرية الى اشخاص مؤسسين ينشأون تلك الافكار ويضعوها بين يدي القرآء والمتلقين .على الرغم من ان منشأ الفكرة يعتبر من وضع باكورة الفكرة ، الا انه لايمكن له ان ينشأها من فراغ ، فالفكرة لابد ان تكون ذات خلفية تاريخية ولها جذور يعلمها الجمهور و يؤمن بها ويعتمد عليها .
يعتبر كل من (سيد قطب) ومن قبله (ابوالاعلى المودودي) الهندي الاصل هم منشئي فكرة السلفية الجهادية التكفيرية في زمننا المعاصر ، حيث قاموا بانشاء مايسمى بفكرة الجاهلية المجتمعية او ما يعرف بجهالية القرن العشرين والتي تتلخص بتكفير كل المجتمعات بما فيها الاسلامية الحالية كونها لا تطبق حكم الله في الارض (الحاكمية الالهية) وتستعيض عنه بالاحكام البشرية الوضعية ، حتى لو كانت تؤمن على مستوى الفكر بالوهية الله وربوبيته وسلطانه .ما تقدم يوجز لنا باختصار نشأة الفكرة وهي انها ولدت من المنشأ كسيد قطب و ابي الاعلى المودودي اللذين اعتمدوا في توليدها على الجذور التاريخية من نصوص وحوادث في التاريخ الاسلامي كما ان ما تقدم يبين لنا ان التسلسل الطبقي والتصنيفي للسلفيين الجهاديين يبدأ بالمنشأ او ما نسميه بمنشأ الفكرة.
بعد ان ثبتت افكار سيد قطب وابي الاعلى المودودي على شكل كتب وخطب او محاضرات ، تلقتها الشرائح الاجتماعية والفكرية فقرأتها وسمعتها بجميع مستوياتها و غدت افكاراً مبثوثة تأخذ مكانها بين المثقفين ليتم التعاطي معها بحسب مستوى المتلقي . وهنا بالضرورة ستظهر طبقة جديدة وهي الطبقة المثقفة او الطبقة المتميزة بالعلم والبحث والتقصي الفكري في مجال اختصاصها و من ميزات هذه الطبقة انها عندما تنتشر فكرة ما داخل المجتمع وفي مجال اختصاصها فانها اما تعارضها بشدة وتنظر ضدها او تقوم بعكس ذلك اي انها تتأثر بها وتتشرب بما فيها فتباشر بالتنظير لها وهنا تظهر الطبقة ذات المستوى الثاني وهي طبقة المنظرين وقد ظهر اهم منظري افكار سيد قطب بعد مقتله ليضعوا الاصول الفكرية في وقتها و منظومة فكرية كبيرة رشحت عنهم كتب ومؤلفات لاتزال تمثل الرافد الحقيقي للحركات السلفية الجهادية ككتاب ) الجهاد ..الفريضة الغائبة) للمنظر السلفي الجهادي (محمد عبد السلام فرج) ، و(العمدة في اعداد العدة) لعبد القادر عبد العزيز الشيهر
ب) سيد امام) ، و (ملة ابراهيم) للمنظر السلفي الكبير عصام البرقاوي (ابو محمدالمقدسي) وغيرها من الكتب والمنظرين .الطبقة الثالثة من طبقات السلفية الجهادية هي طبقة (الدعاة) وهم الاشخاص التي تقع على كاهلهم نشر الدعوة في اصقاع العالم وكذلك وبث ما كتبه المنظرون وتوصيله الى التابعين والعامة ، وقد برع الكثير من الدعاة السلفية الجهادية في مجال الدعوة واستطاعوا تحريك الشارع ، حيث تقع على عاتقهم مسألة الكسب والهاب الحماس ودفع الناس الى الانتماء والمناصرة ،ومن اهم الدعاة هم من كانوا ودرسوا في المملكة العربية السعودية وخصوصاً اساتذة الحديث في جامعات المملكة ) كجامعة الملك فهد ( و (المدينة المنورة) وبلغت قدرتهم الكبيرة على صنع حركات سلفية جهادية كالقاعدة و اخواتها و داعش من خلال جهودهم الدعوية ، ومن اهمهم (عايض القرني) و (محمد العريفي) و (محمد سرور) و (ناصر العودة) و(يوسف القرضاوي ( و(العرعور) و غيرهم .
ان جهود الدعاة بعد ان اخذت تثمر وتؤتي اكلها على شكل تأسيس حركات مسلحة وتنظيمات كبيرة فأنها بذلك كونت مجتمع حركي مسلح ومنظم يخضع لقيادات ميدانية ، وله هيكلية تنظيمية مترابطة المفاصل والاقسام ، وهؤلاء المنظمين ضمن هذه التنظيمات من قيادات وافراد يشكلون الطبقة الرابعة والتي يصح تسميتها بالتابعين ، وهم كل اعضاء التنظيمات ، سواء كان اسامة بن لادن او الزرقاوي او ابو عمر البغدادي او ابو بكر البغدادي ، الى اصغر عضو بالتنظيم ينتمي له ويأتمر بأوامره . يذكر ان هذه الحركات والتنظيمات المسلحة وان كانت اسست بفضل منشأ الفكرة ومنظريها ودعاتها ، الا ان عامل التوظيف الدولي واللاعب الدولي لعب دورا هاما في تأسيسها وتقديم التسهيلات والدعم اللوجستي وذلك لتحقيق غايات سياسية واحيانا عقائدية .
تتمتع الحركات الجهادية بشعبية ليست بالقليلة وهي المجتمعات المسلمة المؤدلجة او المنفعلة والتي ينتمي لها التابعين للتنظيم اجتماعيا كالاباء والابناء والزوجات والاخوة واللذين يمثلون الطبقة الرابعة .
ان المناصر هو الطبقة الخامسة والاخيرة للحركات السلفية الجهادية ،وتكمن اهميتها انها تعتبر الحاضنة المهمة لتواجد ولافكار السلفية الجهادية كما انها تعتبر المادة الاولية والمدخر الاساسي لها فانها تسد بها حالة النقص الحاصل بالموارد البشرية بين الفترة والاخرى ، وكذلك الدعم المادي والمعنوي . والمناصر هو مشروع مستقبلي كتابع .كما ان المناصر هو المتأثر الاكبر باعلام التنظيمات ومنشوراتها ، وهو من يقدم التبرعات والهبات لنصرتها ، كما يقع المناصر دائما ضحية الدعاة وناشري الافكار السلفية الجهادية .
لقد استطاع الدعاة وهم الطبقة الثالثة ان يملأو المراكز الاعلامية للتنظيمات الجهادية كداعش وغيرها بالافكار والمرغبات ، وتجسدت جهودهم على شكل برامج اعلامية ممنهجة استطاعوا من خلالها تجنيد الاف من التابعين ، وجذب الملايين من الانصار ، وتعدى ذلك لوصولهم الى القدرة على تجنيد الكثير من المقيمين في الدول الغربية كاوروبا وامريكا .
لابد لمن يريد ان يكافح هذه الآفة السرطانية المسماة بالحركات السلفية الجهادية ان يعي مدى خطورة الطبقات التي ذكرناها آنفا ، ولابد لاستراتيجية مكافحة الارهاب المتبعة من قبل العالم ان تضع في حسبانها هذا التصنيف في الطبقات وان تفرق جيدا بينها ، او ان تضع حلولا ناجعا للحيلولة دون ترابط هذه السلسلة والعمل على تفكيكها .ان منشأ الفكرة قد يكون شخصا لم يكن يتوقع ان تؤول فكرته الى هذه النتائج التي يشهدها عالمنا الان ، وان المنظرون هم من وضع الاسس ، ثم جاء دور الدعاة لنشرها وقام التابعون بتنزيلها منزلة العمل الميداني كما فعل بن لادن وغيره ، لكن يجب ان نعلم انه سيبقى المناصرون هم الخطر المستقبلي القادم فهم دائما يمثلون المشروع المستقبلي للتنظيمات الجهادية القادمة.