جذور ومفعلات الفكر السلفي الجهادي
الحياة الاخبارية
حسين جاسم الخزاعي
لايزال الفكر السلفي الجهادي يحتل مساحة ليست بالقليلة في عموم الوجود الاسلامي ويمتلك التأثير الفاعل في عقول المسلمين وبالخصوص في الشباب المسلم السني ، ولديه القدرة في دفعهم للعمل الميداني الجهادي . ولم تكن تلك القدرة والقابلية لتتأتى دون تفعيل الجذور التاريخية والاصول الفكرية من قبل المنظرين والدعاة المعاصرين وجعلها المادة الاساسية للتغذية الفكرية للكسب والهاب الحماس للشباب السني . ولغرض الوقوف على اسباب ظهور هذا الفكر في زمننا الحالي وتأثيره كان لابد من تحديد اهم جذوره وكذلك ماهي المفعلات التي تحي جذوره وتشعل جذوته وتجعله فكرا فاعلا مؤثرا في عالمنا ومنتجا للعمليات الارهابية ، وكذلك اسباب توسعها وانتشارها بهذا الحجم الهائل .
*جذور السلفية الجهادية* :
تتضح الاسباب والجذور للحركات السلفية الجهادية من خلال شروح ودعوات منظريه ودعاته التي تبث من خلال مواقعهم الاعلامية وتبليغاتهم الدعوية .
يمكن القول انه يصح تسمية جذور السلفية الجهادية بانها جذور تاريخية الاصول وممكن ان تنقسم الى قسمين :
1. *النصوص الاسلامية المقدسة المؤولة :* وهي بالتاكيد النص القرآني وتفسيره المؤول ، والحديث (السنة) وتفسيرها المؤول .
2. *الحوادث والشواهد والشخصيات التاريخية* : وهي جميع الحوادث التاريخية التي مرت بالتاريخ الاسلامي والتي يستشهد بها المنظرون على صحة منهجهم ، وكذلك الشخصيات التي مارست او انشأة الفكر التكفيري من خلال تاريخها وكتبها وافكارها المبثوثة في ثنايا التاريخ الاسلامي والحوادث التي رافت حياتهم ومن خلالها مرروا ارآئهم والتي اصبحت منهجا وشرعة للمعاصرين ، ومن تلك الشخصيات هم الخوارج وحادثتهم الشهيرة في زمن علي بن ابي طالب ، واحمد بن حنبل وحادثة خلق القران مع المعتزلة وتكفيرهم ، واحمد بن تيمية وحادثة المغول وحكم مدينة ماردين وحكم ارض الردة وارض الاسلام ، وافكار تلميذه ابن قيم الجوزية..وغيره من الاحداث.
مثل هذان الامران جذرا راسخا في التاريخ الاسلامي واخذ مساحة وحيز في جسمه صعب ازالته رغم المواجهات الفكرية التي وجهت نحوه من قبل علماء المسلمين بتعدد مشاربهم ومذاهبهم وفرقهم سنة وشيعة ..وغيرهم ..وهذا الجذر برع كثيرا في ترسيخ مبدأ التكفير ، وامتاز بالاقصاء والتهميش والتكفير للاخر بشكل ملفت ..
واجه العلماء الاسلامين المتنورين ذلك الجذر بشكل كبير واستطاعوا في احايين كثيرة من التاريخ الاسلامي الحد من هذا الفكر وقمعه ولكن لفترات محددة وليس على النحو الدائم ..وترى بوضوح ان هذا الفكر يظهر في ازمان متباعدة محدثا ازمات وشرخات عميقة في الجسد الاسلامي مولدا الفتن والحروب وخلق تيارات حادة المزاج ومنفعلة التصرفات تقود المسلمين والعالم الى ازمات وحروب ومذابح باسم التكفير ومحاربة المرتد والصليبي والرافضي وباسم الجهاد في سبيل الله ورفع كلمته .
*المفعلات* :
ان بروز هذا الجذر بين الاونة والاخرى كالسلفية الجهادية لم يكن ليظهر دون مفعلات جديدة معاصرة تعيد استنباطه من التاريخ وتدعمه وتفعله لاسباب عقائدية او سياسية .اما طرق التقعيل فهي تكون بطريقتين:
1. *المدارس والمناهج الحديثة* ..
فقد مثلت ولحد الان المدارس وعلى رأسها مدارس دعوة محمد عبد الوهاب اهم مفعلات الفر السلفي الجهادي ، فلقد احيت دعوة محمد عبد الوهاب في جزيرة العرب وبدعم ابن سعود الجذر التأريخي للفكر التكفيري ، وقامت بتأويله ليخدم اغراضها العقائدية والسياسية .
كما مثلت فروع المدرسة الوهابية وطريقة تفكيرها الكثير من المدارس والمناهج في باقي اصقاع العالم الاسلامي كالديوبندية في باكستان والمدارس في شرق اسيا وافريقيا وغيرها .
وتمثل الجامعات السعودية التي تدرس العلم والحديث كجامعة الملك فهد والمدينة المنورة اهم مؤسسات احياء للجذر التاريخي للتكفير والذي انتج بعد تزاوجه مع الاخوانية القطبية مايعرف الان بالفكر السلفي الجهادي والذي انتج الحركات التكفيرية المسلحة كالقاعدة وداعش واخواتها، ولاتزال تلك المدارس والمناهج تحي الجذر التاريخي المؤول للنصوص وتحي استذكار الحوادث والشواهد التاريخة للفكر التكفيري .
2. *التوظيف واللاعب الدولي* :
من الملاحظ ان هناك الكثير من الدول والمنظمات الدولية وغير الدولية في الوقت الحاضر اخذت تسعى لتحقيق غايتها واهدفها الحيوية والجيوبولتيكية بواسطة طرف ثالث دون الحاجة لان تمارس هي الدور بشكل مباشر فهي تقوم بتوظيف الحركات والجهات الفعالة والمسلحة منها للقيام بادوار تحقق مصالح تلك الدول وهو مايعبر عنه بحروب الجيل الرابع او الحرب بالوكالة .
ولقد كان للحركات السلفية الجهادية الدور الاكبر في القيام بالحرب بالوكالة او التوظيف من دول عظمى واقليمية والامثلة على ذلك كثيرة ومطردة .كتوظيف امريكا والسعودية وباكستان للقاعدة وطالبان والمجاهدين الافغان لقتال الروس عام 1980 وتوظيف قطر للجهاديين في ليبيا وسوريا وتوظيف تركيا للجهاديين وداعش في سوريا وكذلك ايران وتوظيفها لحزب الله والفصاءل الشيعية في الشرق الاوسط.
ان اي استراتيجية ترسم لمواجهة الحركات السلفية الجهادية سيكتب لها الفشل اذا تضع نصب عينها السياسات والبرامج الكفيلة بمواجهة الجذور والمفعلات اي الاسباب التاريخية والمعاصرة لظهور تلك الحركات .
من الممكن ان تكون معالجة الجذورالتاريخة مهمة صعبة جدا لانها ببساطة راسخة رسوخا قويا في عمق التاريخ وضمن الكتب، واختلطت مع المراجع التاريخية واصبحت جزء منه ، وان مواجهتها من خلال اعادة كتابة التاريخ او قراءته هي مهمة شبه مستحيلة ، بل ممكن من خلال الجهود العلمية الحد من تاثيرها بشكل نسبي قليل ، واكبر دليل على ذلك الجهود التاريخية التي نسمع عنها ونقرأها ونحضر بعضها والتي بمجموعها لم تمنع من ظهور تلك الحركات .
لكن من الممكن جدا مواجهة المفعلات المعاصرة وهي المناهج المعاصرة والتوظيف لانها ببساطة هدف موجود واضح المعالم بالامكان استهدافه والحد منه ، فلابد من ان يتحد العالم ويواجه تلك المناهج والمدارس والجامعات والمؤسسات الاعلامية التي تحي الجذور التاريخية بشكل دائم ومستمر من خلال العمل على حضرها وتحفيز البلدان التي تبث منها المناهج على محاربتها وازالتها من الوجود الانساني ومنعها من اجترار التاريخ التكفيري ونشره بين اوساط الشباب .
كما يمكن للعالم المتحضر والذي يمتلك مجلس امن ووسائل للعقوبات ان يقف بوجه الموظفين واللاعبين الدوليين اللذين يستخدمون تلك الحركات في تحقيق اهدافهم العقائدية او السياسية.