تأملات في السيد الشهيد الصدر
زعيم الخيرالله
في الذكرى التاسعةِ والثلاثينَ لاستشهادِ الامامِ الشهيدِ السيد محمد باقر الصدر ، يحارُ المرءُ من اينَ يبدأُ ؟ فالسَّيِّدُ الصَّدرُ مُتَعَدِدُ المواهب ، ومُتَنَوِّعُ الابعادِ ، لايحيطُ بجوانبهِ المتعددَةِ كاتبٌ ، ولايستوعبُ حياتَهُ الثَرِيَّةَ مقالٌ ؛ لاننا امام بحرٍ يموجُ بمعارِفهِ.
وانا في هذا المقالِ المُقتَضَبِ ، احاول ان استعرضَ سماتِ فكرهِ ، وخصائصَ هذا الفكرِ.
من سمات فكرِ الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر :
1- الموسوعيّة : من خصائص فكر السيد الشهيد الصدر ، الموسوعيَّةُ ؛ فقد كتبَ في اكثرمن حقلٍ معرفيٍّ .. فقد كتبَ في الفقهِ والاصولِ ، والفلسفةِ ، والتاريخ ِ ، والاجتماع ، والتفسير .
2- الاصالة: كانت افكارُ السيد الصدر افكاراً اصيلةً ، ولم يكن فكره التقاطياً وتجميعياً .. في مجالِ الصناعة ، هناك صناعات اصيلة تشتهر بها دولة اومجموعة من الدول ، وهناك صناعات تجميعية ، لا اصالةَ فيها . كذلكَ الامرُ مع الافكار ، فهناك افكارٌ اصيلةٌ ، وهناك افكارٌ ملتقطةٌ ، ومجمعةٌ من هنا وهناك .
3- العمق : لم يطرح السيد الصدر فكراً سطحيّاً ، بل كل افكاره ، كانت تَتسِمُ بالعمق ؛ فهو يغوصُ بعيداً في الفكر ، ويستجلي غوامضَهُ ، ويستخرج كنوزه ليقدمها للقاريء واضحةً جلِيَّةً .
4- كان فكرُ السيد الشهيد الصدر فكرا منفتحاً على الافكارِ ، ولم يكن فكراً منغلقاً . وهذا مايُلاحِظُهُ القاريءُ في كتابِ ( فلسفتنا) ، الذي استعرض فيه السيد الصدر مختلف الاراء حتى لتجدَ نفسَكَ امامَ مؤرخ للفلسفةِ وباحث فيها بعمقٍ ، وملاحقٍ للافكار ، ومتابعٍ لها ، وناقدٍ لها ، وفي نفسِ الوقتِ ، يطرحُ البدائل. وكتاب فلسفتنا الّفَهُ السيد وعمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين .
وهناك مزية بارزة في شخصية السيد الشهيد اطلقت عليها ( الطفولة المفكِّرة ) ، فهوانتج افكاراً في طفولته ، فكتب (فدك في التأريخ ) في الحادية عشر من عمره . وهذه ميزة عند العظماء والنوابغ ، ولكنها كانت بارزة في حياة السيد الصدر . والف ( رسالة في المنطق ) وكان عمره اثني عشر سنة . ودرس كتاب (المعالم ) في اصول الفقه على يد اخيه السيد اسماعيل الصدر ، وهو في هذا السن ، وقد اشكل على صاحب المعالم ، وقد ذكر له اخوه السيد اسماعيل الصدر رحمه الله ، ان هذا الاشكال ، هو نفس اشكال صاحب الكفاية على صاحب المعالم .
5- قَدَّمَ الشهيد الصدر فكراً نقدياً ، وهذا مانلمسه في كتاب (فلسفتنا ) و ( اقتصادنا ) و ( فدك في التاريخ) ، و(الاسس المنطقيَّة للاستقراء) ، وكان السيد الصدرُ اميناً في نقل افكار الاخرين ، وكان نقدُهُ نقداً علمياً موضوعياً .
6- الجانب الحضاري في فكر الشهيد الصدر : لم يكن نقدهُ للرأسماليّةِ والاشتراكيّةِ مجردَ نقدٍ لأنظمةٍ اقتصاديّةٍ ، وانما هو نقدٌ للحضارة التي افرزتها ، فكلا النظامينِ ينتميان الى حضارة مادية ، وينطلقان من قاعدة واحدة هي الماديّة .
هل كان السيد الصدرُفيلسوفاً؟
كنت اشاهد لقاءً تلفزيونيّاً ضمَّ متحدثَينِ ، وكان موضوعُ الحوار حول السيّد الشهيد الصدر . وقد نفى كلا الضيفينِ ان يكون السيد الصدر فيلسوفاً .
ويبدو لي ان هذين الضيفين في هذا اللقاء ، لم تستوعب دراستهما للسيد الصدر في كل مراحل حياته ، والتطورات الفكرية ، التي حصلت في مسيرته الفكرية .
السيد الصدر في فلسفتنا ، كان باحثاً في الفلسفة ، ومؤرخا لاتجاهاتها ، وكان يتبنى رأيَ المذهب العقلي في نظرية المعرفة . امّا في كتاب ( الاسس المنطقية للاستقراء ) فنجد السيد الصدر فيلسوفا ومبتكراً ، وله مذهب في المعرفة الانسانيّة ، يختلف عن المذهب العقلي والمذهب التجريبي ، وهو المذهب الذاتي في المعرفة ، الذي اقامه على حساب الاحتمال ، واستطاع ان يحلّ به مشكلة الاستقراء ، التي لم يستطع الفلاسفة حلها من ارسطو الى برتراند رسل ، واستطاع الصدر ان يحل هذه المشكلة التي استعصت على الفكر الانساني.
عظمة السيد الصدر
عظمةُ السيد الشهيد الصدر لاتكمن في تفكيره فحسب ، وان كانت عظمته تجلت بشكلٍ واضحٍ في هذا المجال … ولكن العظمة تكمنُ حينما يضحي المفكر بنفسه من اجل الافكار والمباديء التي امن بها . فنحن امام رجلٍ استثنائي ، في مرحلة استثنائية ، وقف بوجه نظام قمعي غاشم ، موقفاً حسينيا ، وكان يعرف نتائج المواجهة مع هكذا نظامٍ دمويٍّ وقمعي . فسلام عليه في وقفته العظيمة ، وسلام عليه يوم استشهد ، ويوم يبعث حيا ، وسلام على اخته ورفيقة دربه العلوية الطاهرة بنت الهدى.