قوى سياسية تتجه الى المعارضة والسبب تفرد سائرون والفتح
الحياة العراقية
لم يفرز مجلس النواب خلال دوراته الماضية وعلى مدى السنوات الست عشرة التي أعقبت الغزو الأميركي ـ البريطاني، أي معارضة حقيقية تتخذ دور المقلق للحكومات أو المراقب لها. فجميع الكتل السياسية التي تفوز في الانتخابات تحصل على مقاعد وزارية ومناصب في الحكومة ورئاسة الجمهورية أو في المؤسسات والهيئات المرتبطة بها، وهو ما جعل مفهوم المعارضة في العراق مقتصراً على القوى الرافضة للعملية السياسية التي أسسها الأميركيون عقب العام 2003، والتي يقيم جميع رموزها خارج البلاد في دول مجاورة، كالأردن وتركيا، أو في دول أوروبية مختلفة.
غير أنّ الحديث عن ولادة كتل معارضة في مجلس النواب الحالي بنسخته الرابعة منذ الاحتلال، بات أكثر جدية من أي وقت مضى، فيما يعتبر كثير من المراقبين أن ذلك سيكون موجهاً ضدّ رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي، بمعنى أنه توجّه مرحلي لكتل وجدت نفسها قد بُخّس حقها الانتخابي بحكومة التسوية، التي جرى التوافق عليها نهاية العام الماضي، واختير عبد المهدي رئيساً لها. وهو ما يعني بطبيعة الحال، أنها معارضة لحفظ ماء الوجه أمام الناخبين، ومحاولة استباقية للتنصّل من أي فشل لحكومة عبد المهدي، التي تواجه ملفات وتحديات سياسية كبيرة.
في السياق، قال مصدر نيابي، إنّ “التوجّه إلى المعارضة خيار وشيك لقوى برلمانية عدة تجد أنّ الحكومة الحالية لا جديد فيها، ولن تقدّم أكثر من رواتب شهرية تدفع من أموال النفط”.
وأضاف، أنّ “هناك قوى تستشرف وضع الحكومة الحالي، وتجد أنّ ذهابها الآن إلى جهة المعارضة، يضمن بقاءها في المشهد السياسي لدورة انتخابية أخرى، فالشارع محتقن، وقد عاقب حزبي الدعوة والفضيلة والحزب الإسلامي العراقي وكتلاً أخرى في الانتخابات الماضية. لذا لا تريد هذه القوى أن تكون جزءاً من الفشل الحالي”.
وأوضح المصدر، أنّ “هناك أيضاً كتلا أخرى لم تحصل على مناصب وزارية، وغيرها وجدت نفسها باتت تحت عباءة كتل أخرى تحالفت معها، لذا تتجه هذه الأطراف منذ مدة لدراسة خيار الذهاب إلى المعارضة، والتحوّل لصوت شعبي داخل مجلس النواب”، معتبراً أنّ “هذا الصوت سيكون إعلامياً أكثر منه معارضة فعلية، فلا أحد اليوم يريد إسقاط حكومة عبد المهدي، لأنّ القوى السياسية لها مصالح ببقائها”.
وأشار إلى أنّ “عدداً من قوى تحالف الإصلاح، هي أكثر الأطراف التي تتهيأ لاتخاذ دور المعارضة البرلمانية اليوم، كتحالف النصر بزعامة حيدر العبادي، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وبعض النواب السنة، وهم من غير الراضين على ما آلت إليه الحكومة الجديدة”.
من جهته، قال النائب عن تحالف “سائرون”، صباح العكيلي، إنه “ليس هناك ما يضمن أن تبقى الكتل على حالها في الفترة المقبلة”، موضحاً أنّ “أغلب الكتل الحالية هي عبارة عن أحزاب وقوى متفرقة توحّدت لتكون كتلة واحدة، وقد تتجه بعض منها إلى مواقف تجدها تصب في صالحها”.
وكان عضو المؤتمر العام لتيار “الحكمة”، هاشم الحسناوي، قد لمًح إلى احتمال لجوء تياره إلى المعارضة، بسبب تفرّد تحالف “سائرون” بقرارات “الإصلاح”، مؤكداً أنّ “قرار الانسحاب لم يتم اتخاذه بشكل رسمي، إلا أنّه مطروح على طاولة النقاش”.
وأضاف “رغم وجود هيئة سياسية وقيادية في تحالف الإصلاح لمناقشة القرارات التي يتم اتخاذها، إلا أنّ تفرّد تحالف سائرون أصبح واضحاً للجميع”، ورأى أنّ “نواب سائرون يعتقدون أن معادلة الفتح – سائرون هي التي انتجت الحكومة الحالية، لذا فهم يتحرّكون وفقاً للوزن الانتخابي الذي يمتلكونه”.
ولفت الحسناوي إلى أنّ “لدى تيار الحكمة سيناريوهات متعددة قد يتوصّل إليها خلال الأيام المقبلة”، معبراً عن رفضه لمحاولات التفرّد في الرأي.
يشار إلى أنّ الحكومة الحالية برئاسة عادل عبد المهدي تشكلت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بناءً على اتفاق بين تحالف “الفتح” من جهة، وتحالف “سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، (أحد مكونات كتلة الإصلاح)، من جهة أخرى، بعد أن فشل كل من “البناء” و”الإصلاح” بتشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان.
وفي سياق يندرج ضمن الحديث المتصاعد عن تشكيل المعارضة البرلمانية وسعي بعض القوى للقفز في مركبها، دعا رئيس تحالف “القرار”، رئيس البرلمان الأسبق، أسامة النجيفي، في بيان الثلاثاء الماضي، إلى “تشكيل معارضة حقيقية قادرة على تصحيح المسار”، معبراً عن قلقه من تأخّر إكمال الحكومة بسبب الصراعات والمنافسة بين الكتل السياسية.
ورأى النجيفي أنّ هذا التأخّر قد ينعكس على تنفيذ البرنامج الحكومي، وقد ينسحب أيضاً على العمل البرلماني، وأوضح أنّ “الديمقراطية تتطلب تشكيل كتلة معارضة”، لافتاً إلى أنه يدعم هذا “الاتجاه الإيجابي في العمل السياسي”. ولم تشهد أي من البرلمانات العراقية السابقة وجوداً لكتلة المعارضة بسبب النظام التوافقي الذي يشرك جميع القوى الكبيرة في الحكومة. وهو ما يعتقد المحلّل السياسي العراقي، علي حسين الجبوري، أنه “يتسبّب بخلل في تطبيق الديمقراطية”، مؤكداً ، أنّ “الأساس في السياقات الديمقراطية، وجود كتلة برلمانية داعمة للحكومة، وأخرى معارضة لها”.
وأضاف الجبوري أنّ “هذا الأمر غاب عن العراق منذ عام 2005، بسبب المحاصصة التي جاءت بها بدعة الديمقراطية التوافقية”، موضحاً أنّ “وجود المعارضة في حال تحقّق فعلاً، سيرغم الحكومة برئيسها ووزرائها على العمل، خشية من عيون المعارضة التي يفترض أنها تتمتّع بثقل لا بأس به في مجلس النواب”.