القوات الأجنبية في العراق..تبدلات في المهام والأعداد
الحياة العراقية
حتى منتصف شهر إبريل/نيسان الحالي، لم يسجّل أي تغيير بجنسيات الدول التي لها تواجد عسكري في العراق، في إطار التحالف الدولي للحرب على تنظيم “داعش”، إلا أنّ التحول حدث فعلياً على عديد تلك القوات والمهام التي تضطلع بها، كالأميركية والفرنسية والبريطانية والألمانية والإيطالية، وذلك بحسب ما أكّد مسؤولان في الحكومة العراقية.
وتستثنى من هذه المعادلة تركيا التي زادت عديد قواتها خلال الأشهر العشر الماضية في بعشيقة وسيدكان وسوران بمحافظتي نينوى ودهوك، ضمن عمليات تقول إنها لدفع خطر “حزب العمال الكردستاني”، المتحصّن داخل العراق، عنها.
وبرز ما كشفه عضو البرلمان العراقي عن تحالف “البناء” فالح الخزعلي عن عدد الجنود الأميركيين المتواجدين في العراق، قائلاً في بيان إن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أبلغه بوجود عشرة آلاف جندي أميركي بين مقاتل ومستشار على الأراضي العراقية. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف بشكل رسمي عن عدد القوات الاميركية بهذا العدد، اذ كانت التقديرات السابقة تشير إلى وجود نحو خمسة آلاف مقاتل.
وعلى الرغم من أنّ التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، يضم قرابة 60 دولة، إلا أنّ هناك 16 قوة فعلية أجنبية على الأرض في العراق، عدا عن نحو 20 دولة أخرى لا تتواجد ميدانياً، لكنها تدعم الحكومة العراقية في حربها ضد تنظيم “داعش”، لكن المعلومات الجديدة تشير إلى انتهاء المهام القتالية لكثير من هذه القوات، إلا أنها رغم ذلك لم تنسحب، فقط تناقص عديدها، وبقيت مستمرة بتدريب وتسليح وتجهيز القوات العراقية.
وفي السياق، قال موظف بصفة مستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، إنّ “العراق لم يشهد أي انسحاب للقوات الأجنبية المتواجدة على أراضيه خلال الفترة الماضية، والذي حدث أنّ مهام الكثير منها تقلّصت وتحجّمت، بعد إقرار برلمانات دول هذه القوات بنهاية جزء من خدمتها، مثل هولندا والسويد وكندا”، مشيراً إلى أنّ “هذه القوات باقية في العراق من أجل الأمور اللوجستية، خصوصاً أن العمليات العسكرية ضدّ داعش قد انتهت”.
وأشار الموظّف إلى أنّ “القوات الأسترالية انسحبت كقوات عسكرية قتالية مساندة وكذلك الألمانية، ومن بقي من أفرادها يعملون بصفات خدمية لوجستية”، مؤكداً أيضاً أنّ “أعداد الجنود الفرنسيين القتاليين تراجعت كثيراً عن السابق”.
ولفت الموظّف إلى أنّ الولايات المتحدة ما زالت القوة الأجنبية الأولى في العراق، حيث لديها قوات مارينز وكوماندوس، وسرب طائرات مروحية ودروع ودبابات ووحدات قتالية برية ومظلية، إلى جانب قوات استشارية وتدريبية وقوات هندسية تهتم بصيانة المعدات والطائرات والآليات العسكرية التابعة للجيش العراقي والتي هي من منشأ أميركي، فضلاً عن أمور أخرى مدرجة ضمن مساعدات للقوات العراقية.
وأوضح الموظّف نفسه أنه “بالنسبة للروس، ليس لديهم وجود على مستوى الأدوار اللوجستية، ولا على مستوى القوات العسكرية، ولكنهم ضمن غرفة التنسيق الرباعي التي تجمع إيران والعراق وقوات نظام بشار الأسد إلى جانبهم، وهي وحدة لا ترتقي إلى دائرة عمليات، وتعنى بالتنسيق وتبادل المعلومات فقط”. وكشف عن أنّ “الأتراك زاد عديدهم على عكس باقي القوات، وتحديداً في بعشيقة، ومناطق متفرقة من إقليم كردستان”.
إلى ذلك، أشار المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات العسكرية المشتركة، يحيى رسول، إلى أنّ “ما تبقى من قوات التحالف الدولي هو لاستكمال قدرات القوات العراقية المسلحة، خصوصاً لناحية التدريب والتسليح والتجهيز”، مضيفاً أنّ “هذه القوات ضرورية لإعطاء الاستشارة بهذه المجالات، وهو أمر مهم جداً بالنسبة لتشكيلاتنا العسكرية”.
وأوضح رسول أنّ “عديد القوات الأجنبية تراجع عن عام 2014، لأن العمليات العسكرية ضد داعش انتهت”، مضيفاً “لكن ما زال لدينا حالياً عمليات استئصال لما تبقى من التنظيم. ولهذا، ما نحتاجه هو الاستشارة والتدريب والتسليح، وهو عمل التحالف الدولي، إذ نحتاج للخبرات العالمية، خصوصاً أننا نعمل الآن على تهيئة قواتنا المحلية على الجيل الرابع من الحروب، أي ما يتعلق بقتال الشوارع والسلاسل الجبلية والصحراوية”.
ورأى رسول أنّ “العراق أصبح لديه مدربون أكفّاء، ولكن في الوقت نفسه نستمر بتدريب قطاعاتنا العسكرية بأفضل الوسائل، من خلال الاستعانة بالقوات الأجنبية، والتعرّف على أفضل الأسلحة والمعدات. فبناء القدرات الشاملة يحتاج إلى وقت، ونحن ما زلنا بحاجة للقوات الأجنبية لا للقتال على الأرض، بل لتدريب جيشنا بطرقٍ مهنية وقوية”.
في غضون ذلك، تجهد كتل برلمانية نفسها من أجل إقرار قانون لإخراج القوات الأجنبية من قواعدها في مناطق متفرقة من العراق، بحجة عدم الانتفاع منها بعد نهاية المعركة مع تنظيم “داعش”.
وفي هذا الإطار، أوضح عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، بدر الزيادي، أنّ “قرار خروج القوات الأجنبية أو بقائها، متروك للقائد العام للقوات المسلحة رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، فهو من يحدد الدعم الذي تقدّمه هذه القوات، وقد طلبنا لقاءه في لجنة الأمن النيابية، ولكن ذلك لم يتحقّق بسبب انشغال رئيس الوزراء وسفره”.
ولفت الزيادي إلى أنّ “العراق حتى هذه اللحظة يستورد معدات عسكرية غربية تتبع القوات البرية وسلاح الجو، وهذه المعدات تحتاج إلى كوادر للتدريب، وهي لفترة محددة إلى حين تهيئة فرق عراقية تكون قادرة على تدريب الآخرين من الجنود”، مضيفاً أنه “مع ذلك، فإنّ التوجه العام للبرلمان لا يزال قائماً لإخراج القوات الأجنبية المقاتلة فقط، لكن قضية القوات التي تدرّب عناصرنا تبقى بحسب توجه القيادة العامة، علماً بأننا رصدنا قوات مقاتلة على أرض العراق، ولذلك أعددنا مسودة طريق لغرض إخراج هذه القوات”.
بدوره، رأى الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، أنّ “هناك فرقا بين عدد الجنود الذين يشاركون في مهمات قتالية، وبين الذين يؤدون أدواراً غير قتالية مثل التدريب”، مؤكداً أنّ “العراق لا يزال بحاجة ماسة إلى جهود التحالف الدولي، سواء كانت أميركية أو غير أميركية”. وأوضح الهاشمي أنّ “كل قوة أجنبية تدرّب على نوع السلاح الذي تنتجه وتصنعه وتصدره إلى العراق، أي أننا لا نستطيع أن نستغني مثلاً عن قوة من 150 أميركياً، وهي مشغلة لطائرات أف 16، لأن الطائرات لن تطير من دون وجودهم. وهؤلاء (الأميركيون) يريدون قوة تحميهم، وهم لا يثقون بالقوات المحلية، لذلك يعتمدون على عناصر خاصة لذلك”.
ولفت إلى أنّ “قوات التحالف الموجودة في البلاد تتعامل مع موضوع الخبرات أو ما يسمى بمناهج التدريب، بحذرٍ كبير، ولا تعطيها إلى العراق لكونه حليفا لإيران، وإيران متحالفة مع الصين وروسيا، لذا هم يخشون من أن تسرق عقائدهم العسكرية”.