مقتل نجل بن لادن ومرض الظواهري.. من يتولى قيادة “القاعدة”؟
الحياة العراقية
على وقع وفاة حمزة بن لادن، نجل القيادي المؤسس لتنظيم القاعدة، وظروف “المرض الغامضة” التي حلت بالزعيم الحالي للتنظيم أيمن الظواهري، وفق تقارير أميركية تزايدت في الأيام الأخيرة، تتصاعد التساؤلات بشأن التكهن بمستقبل التنظيم وقيادته في الفترات المقبلة؟
فخلال الأيام الأولى من شهر أغسطس (آب) الحالي، تداول عدد من وسائل الإعلام العالمية، معلومات استخباراتية أميركية، عن إصابة أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة بمرض خطير، أدى إلى تدهور صحته بشكل كبير.
وحسبما ذكرت شبكة “سي إن إن” الأميركية، ووصفته بـ”تسريبات استخباراتية”، بالإضافة إلى مسؤول دولي كبير مشارك في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، “فإن المعلومات تشير إلى إصابة الظواهري بمشكلات كبيرة في القلب”، كما تمت الإشارة إلى صحة الظواهري في تقرير مراقبة للأمم المتحدة، تم توزيعه على مجلس الأمن نقلاً عن معلومات دولة عضو، مؤكدا “أن الظواهري في حالة صحية سيئة”.
وذكرت الشبكة الأميركية، “أن الإعلان عن تدهور صحة الظواهري، جاء بعد أيام من إعلان واشنطن وصحيفة (نيويورك تايمز) في أواخر يوليو (تموز) الماضي، أن حمزة بن لادن نجل زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن قتل في عملية للاستخبارات الأميركية، ما يضع مستقبل قيادة التنظيم على المحك”.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز ذكرت “أن حمزة بن لادن قتل في عملية خلال العامين الماضيين، لكن ملابسات مقتله ودور واشنطن ظلا غامضين”. وحسبما نُشر “فقد قتل في العامين الأخيرين وأقام في أفغانستان في ماض قريب”. وكانت الأمم المتحدة والحكومة الأميركية تعد حمزة بن لادن عنصرا خطرا بإمكانه المشاركة في إعادة بناء المنظمة التي أضعفتها حرب واشنطن على الإرهاب بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ونافسها في السنوات الأخيرة تنظيم داعش الإرهابي. ورصدت واشنطن في فبراير (شباط) 2019 مكافأة تصل إلى مليون دولار لمن يقدم معلومات تتيح العثور على حمزة بن لادن. وجاء الظهور الأخير لبن لادن الابن في 31 مارس (آذار) 2018، عندما نشرت القاعدة شريطاً له يناقش العلاقات الأميركية السعودية.
أي مستقبل ينتظر القاعدة؟
في الوقت الذي يعتبر فيه خبراء “وفاة نجل بن لادن وإصابة الزعيم الراهن للتنظيم بالمرض الخطير، بـ(الضربة القاصمة) التي قد لا يتعافى منها أحد أكثر التنظيمات الإرهابية شهرة”، قلل آخرون من تأثير الحدثين لاسيما مقتل نجل بن لادن على اعتبار “أنه لم يكن ناشطا كما يبدو في محاولات إحياء هذا التنظيم الإرهابي العالمي”.
ووفقما نقلت “سي إن إن”، عن مسؤول أميركي كبير مشارك في جهود مكافحة الإرهاب الدولية، “فإن القيادة والسيطرة على المجموعة تتسم بالمرونة والنشاط والقدرة على الرد”. مضيفة “هناك معلومات تفيد بأن حمزة بن لادن كان يقيم في الآونة الأخيرة في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، والتقى الظواهري هناك خلال العامين الماضيين”، وحذّر المسؤول من “أن الصورة الاستخباراتية لحركات نجل بن لادن كانت غير دقيقة”.
من جانبه، رأى باراك مندلسون، الأستاذ بجامعة هارفارد في بنسلفانيا، “أن القاعدة يبدو أنها وضعت حمزة بن لادن في قلب عملها الدعائي في انتظار أن يتمكن من قيادة التنظيم”. وأضاف “لكن ليس من المؤكد أن نجل الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة كان مطلعا على مهام جوهرية”.
بدوره، اعتبر بروس هوفمان، خبير مكافحة الإرهاب في مجلس العلاقات الخارجية، “أن تأثير القاعدة من غياب نجل مؤسسها، أو مرض زعيم لن يكون كبيراً، فشبكة القاعدة قامت تحت إشراف أيمن الظواهري بعملية إعادة بناء طويلة توسعت خلالها في آسيا وغرب أفريقيا وتمكنت من ملء الفراغ الذي أحدثه تفكك تنظيم داعش الإرهابي”.
وبحسب هوفمان، “فإنه وعلى الرغم من أن حمزة كان شخصا مهما بنسبه العائلي وسنه، لكن القاعدة تجاوزت مقتل والده ويمكنها الاستمرار بعد وفاة الابن ومرض الزعيم”.
في المقابل، وبحسب الكاتب المصري المتخصص في الجماعات الإسلامية طارق أبو السعد، “فإن قيادة أي تنظيم سرّي، تدور غالباً في فَلَك مؤسّسه، وخلفاؤه دائماً ما يستمدون شرعية قيادتهم للتنظيم، إما من صحبتهم ورفقتهم له في ميدان القتال، أو من خبراتهم القتالية الميدانية”، مضيفاً: “بعد إعلان الإدارة الأميركية مقتل أسامة بن لادن وحرق جثمانه كانت الخلافة محسومة تلقائياً لأيمن الظواهري؛ لأنّه رفيقه وشريكه في تأسيس التنظيم، لكن مع قيادة الأخير للتنظيم ألقى كثير من عناصر التنظيم باللائمة عليه لما آلت إليه الأمور من هزائم وانشقاقات؛ فالمشكلات التي واجهت تنظيم القاعدة في عهد الظواهري، كانت أكثر تعقيداً من المشكلات التي واجهت المؤسس أسامة بن لادن”.
وذكر أبو السعد، “أنه على الرغم من أنّ الوثائق المسرَّبة، التي كشفت مبايعة عدد من قيادات مجلس شورى التنظيم، في حال وفاة الظواهري لقيادات بعينها، تعني أنّ خلافته محسومة، فإنّ هناك إشارات قوية إلى أنّه ثمة خلاف بين قادة التنظيم على من سيخلف الظواهر”.
أبرز المرشحين لخلافة الظواهري
وفق تقارير أميركية، مستندة إلى خبراء معنيين في مكافحة الإرهاب، “فإن الإرهابيين المصريين أبو محمد المصري وسيف العدل، أبرز المحتملين لتولي أحدهما المنصب بعد الظواهري”، معتبرة “أن كلاهما مطلوب فيما يتعلق بتفجيرات القاعدة لسفارتين أميركيتين في شرق أفريقيا في عام 1998”.
وبرصد لـ”إندبندنت عربية”، يعد أبو محمد المصري، أو عبد الله أحمد عبد الله، الرجل الثاني لتنظيم القاعدة، وأبرز المقربين من المؤسس بن لادن، حيث كانت تربطهما علاقة مصاهرة بعد تزويجه ابنته لنجله حمزة.
وبدأ أبو محمد عمله العسكري ضابطاً في الجيش المصري، ثم خبيراً لصناعة المتفجرات، وتقلد منصب مسؤول اللجنة الأمنية للتنظيم قبل أن ينتقل لقيادة معسكر الفاروق لتدريب عناصر القاعدة، وشغل منصب عضو في المجلس الاستشاري للقاعدة.
ووفق خبراء في ملف الإرهاب، “فإن ابنة أبو محمد متزوجة من حمزة بن لادن، وعلى الرغم من علاقة النسب بينه وبين مؤسس التنظيم فإنه كان على خلاف فكري كبير مع أسامة؛ بسبب تمسكه بأيديولوجية قتال العدو القريب عن قتال العدو البعيد، ويقصد المصري هنا بالعدو القريب الدول العربية والإسلامية، والعدو البعيد الدول الغربية بمختلف طوائفها، رغم أن هذه الإيديولوجية لا يسير عليها تنظيم القاعدة.
وبحسب التسريبات الأميركية، “فإن واشنطن تتهم أبو محمد بتدريب منفذي هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 التي ضربت الولايات المتحدة، كما أنها تعده مسؤولا عن تفجير سفارتين أميركيتين في أفريقيا 1998، إضافة إلى ارتباط اسمه بـ(هجمات الرياض) 2003”.
وأدرجت الولايات المتحدة أبو محمد على قائمة أخطر المطلوبين في العالم إلى جانب 22 عضواً من تنظيم القاعدة، كما طرحت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تدل على مكان وجوده. وسبق أن اعتقل في إيران ووضع تحت الإقامة الجبرية، ثم صدر قرار بإخلاء سبيله في مارس (آذار) 2015 مع سيف العدل وأبو الخير المصري (قيادي في التنظيم) في صفقة تبادل أسرى، تم فيها تحرير دبلوماسي إيراني كانت قد اختطف من قبل عناصر التنظيم في اليمن.
أما ثاني المرشحين، وهو سيف العدل، مصري الجنسية أيضا، فيعد من أبرز قيادات القاعدة وعضواً في مجلس قيادة “مجلس الشورى”.
ولد العدل عام 1960 بمحافظة المنوفية (وسط الدلتا) وتخرج في كلية التجارة ثم عمل ضابطاً احتياطيا بالجيش المصري، قبل أن ينتقل إلى السعودية عام 1989 ثم إلى أفغانستان.
تدرج العدل في صفوف القاعدة حتى وصل إلى قيادات الصف الأول، وتتهمه الولايات المتحدة بالتخطيط لتفجير السفارات الأميركية في دار السلام بتنزانيا، ونيروبي بكينيا في 1998، التي قتل فيها 224 مدنياً وأصيب أكثر من 5 آلاف شخص.
ورغم أن سيف العدل لم يكن من المؤسسين الأوائل لتنظيم القاعدة، لكنه لعب دوراً أساسياً في بناء القُدرات العسكرية والتأهيلية للتنظيم، حيث وضع الكثير من الأسس والخبرات العسكرية، مثل المداهمات الأمنية، وطرق تنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات، والرصد والمتابعات، وطرق جمع المعلومات العسكرية والاستخباراتية، وكيفية استهداف العناصر المراد اغتيالها، وغيرها من القُدرات.
وفي منتصف التسعينيات، ترأس سيف العدل اللجنة الأمنية للقاعدة، وقبل ذلك، وفي عام 1993 تحديداً، سافر إلى الصومال لإقامة معسكرات تدريبية للمُسلحين، لاستهداف قوات حفظ السلام هناك وخصوصا الأميركيين منهم، وحينها وجهت الولايات المتحدة الأميركية، اتهامات لسيف العدل، بتدريب المُسلحين، الذين قتلوا 18 مجنداً أميركياً، في مقديشو عام 1993. وعرضت واشنطن مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، وتم وضع اسمه على قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” لأبرز الإرهابيين المطلوبين.
وفي تسعينيات القرن الماضي، تمكن سيف العدل من تنسيق العلاقات بين بن لادن ومؤسس التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي، إذ إنّه في عام 1999 التقى الزرقاوي، بعد وصول الأخير لقندهار، وأسفر اللقاء عن إقناع العدل لبن لادن بالاستثمار في تنظيم “التوحيد” التابع للزرقاوي، ومن خلال توفير رأس المال المبدئي أصبح الأخير قادراً على إنشاء مُعسكر “حيرات” على الحدود الأفغانية الإيرانية.ا