قاض: تسبيب الأحكام ضمانة للقاضي بالحفاظ على حياديته وعدم تحيّزه
قاض: تسبيب الأحكام ضمانة للقاضي بالحفاظ على حياديته وعدم تحيّزه
بغداد /علاء محمد : متابعة الحياة الاخبارية
تؤكد التشريعات العراقية على ضرورة تسبيب الأحكام وذلك لحملالقضاة على ألاّ يحكموا في الدعاوى على أساس فكرة مبهمة لمتتضح معالمها أو خفيت تفاصيلها، حتى يكون الحكم دائماً نتيجةأسباب واضحة جرى على أساسها تفكير القاضي وتقديره فإذا لمتبيّن الأسباب قبل تلاوة الحكم فمعنى ذلك أن القاضي قد نطق بالحكمقبل أن يتدبر في أسبابه وبذلك يكون الحكم قد خلا من الضمانة التييحرص عليها المشرع ويكون محلاً للبطلان عن طريق الطعن.
ويقول قاضي محكمة استئناف ديالى مهدي قدوري لصحيفة ( القضاء ) إن “تعريف التسبيب لغة هو مصدر كلمة سبب والسبب هوكل شيء يتوصل به إلى غيره والجمع أسباب، والله عز وجل سببالأسباب ومنه التسبيب بقوله ((واتيناه من كل شيء سبباً فأتبعسبباً)) والسبب بمعنى الحبل فيقال (انقطع السبب)، أما تعريفالسبب اصطلاحاً فهو بيان الأسباب والاعتبارات القانونية والواقعيةالتي دفعت القاضي إلى إصدار الحكم“.
وأضاف أن “التسبيب يقسم إلى عدة أنواع فمن حيث محله فانأنواعه هي التسبيب الواقعي الذي يتعلق في وقائع النزاع المطروحوأدلة الدعوى ووسائل ودفوع الخصوم وبيان كافة الأوراق التي قدمتبالدعوى والتي يستند إليها الحكم مثال ذلك أن تكون البينة الشخصيةلا تكفي لإثبات الادعاء أو أن المدعي تسبب بخطئه في إحداثالضرر، اما التسبيب القانوني فيقصد به بيان القاضي للنصوصالقانونية والحجج التي استند عليها في إصدار الحكم فالقاضي ملزمبالبحث عن النص وعن التفسير الفقهي الصحيح له“.
وتابع أن “أنواع التسبيب من حيث تأثيره في الحكم فقد نصت المادة ( 159/2 ) من قانون المرافعات المدنية (على المحكمة أن تذكر في حكمهاالأوجه التي حملتها على قبول أو رد الادعاءات) ومن خلال هذه المادةنجد أنها ذكرت نوعين من التسبيب، الأول التسبيب الحكمي وهو الذييتناول بيان الوقائع المادية والقانوني التي حملت القاضي على الحكمفي الدعوى لصالح المدعي، والثاني التسبيب الردي هو بيان الوقائعالمادية والقانونية التي استند عليها القاضي برد الدعوى“.
ولفت إلى أنه “من التطبيقات القضائية بهذا الصدد ما جاء بقرارمحكمة التمييز الاتحادية بالعدد ( 4732/مدنية /2015 ) في4/10/2015 (لدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيحومخالف للقانون حيث أن المحكمة ردت الدعوى دون أن تبين أسبابهذا الرد في حكمها وعلى ما اعتمدت عليه).
وتحدث القاضي مهدي قدوري عن “أهميته بالنسبة للقضاة حيثتكمن الأهمية بأنها ضمانة للقاضي بالحفاظ على حياديته وعدمتحيّزه والتأكد من عنايته واهتمامه في تقدير ما يطرحه الخصوم فيالدعوى من ادعاءات إذ انه لا يجوز للقاضي أن يسبب تسبيباًغامضاً أو ناقصاً أو يضع أسبابا متناقضة ومن التطبيقات القضائيةبهذا الخصوص ما جاء بقرار محكمة تمييز الاتحادية بالعدد (387/م/2012) في 15/3/2012 ( إن المحكمة لم تتوصل في تحقيقاتها إلىرأي حاسم في الدعوى وجاءت تقارير خبراء الأدلة الجنائية متباينة ولمتبين المحكمة في حكمها الأسباب التي حملتها على عدم قبول تلكالتقارير والرأي الذي تنتهي إليه استناداً لأحكام المادة ( 159 ) منقانون المرافعات المدنية لذا قرر نقضه).
وعن أهمية التسبيب بالنسبة للخصوم ذكر أن “تسبيب الأحكام هووسيلة من الوسائل التي تؤدي إلى قناعة الخصوم بالحكم ويوفر لهمالاطمئنان في حماية حقوقهم ومصالحهم وكذلك يمكنهم عند عدمالاقتناع الطعن بالحكم ومن التطبيقات القضائية في هذا المجال ماجاء بقرار محكمة التمييز الاتحادية بالعدد ( 4789/مدنية /2016): (لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدةالقانونية قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر وجد انه غير صحيحومخالف للقانون حيث أن الثابت من خلال التسبيب الوارد في قرارالحكم العون فيه ان وكيل المدعى عليه طلب استئخار الدعوى لوجوددعوى جزائية بين الطرفين وان المحكمة رفضت الاستئخار دون أن تبينسبب ذلك).
وأشار إلى أن أهمية التسبيب بالنسبة لرقابة محكمة الاستئنافوالتمييز حيث أن “تسبيب الأحكام هو الطريق الصائب والملائم الذييمكن محكمة الاستئناف والتمييز من فرض رقابتها على الأعمالالقضائية من اجل سلامة تطبيق القانون وان تدقيق الأحكام من قبلمحاكم الطعن يدعو إلى الإقناع بان القضاة قد قاموا بواجبهم فيبيان الأسباب الواقعية والقانونية وإصدار الحكم طبقاً للقانون، ومنالتطبيقات القضائية بهذا الخصوص ما جاء بقرار محكمة التمييزالاتحادية بالعدد ( 184/مدنية عقار/2013 في 24/1/2013): (لدىعطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف للقانونلان المحكمة قضت برد الدعوى دون أن يستند حكمها إلى نص منالقانون وفقاً لما أوجبته المادة 159 من قانون المرافعات المدنية).
أما عن أهميته بالنسبة للادعاء العام، فقد بين أن قانون الادعاء العاموسع صلاحية عضو الادعاء العام القانونية بحيث شملت الدعاوىالمدنية التي تكون الدولة طرفاً فيها وكذلك دعاوى محكمة العمل حيثأن الادعاء العام هو المدافع عن الهيئة الاجتماعية ويستطيع من خلالتسبيب الأحكام ممارسة وظيفته ليكون على اطلاع بما تضمنه الحكممن أسباب قانونية وواقعية متفقة مع القانون أو مخالفة له وذلك منخلال حضور الادعاء العام أمام المحاكم المدنية بأنواعها وكذلك حقالادعاء العام بالطعن في الحكام والقرارات التي تصدره المحكمة،ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص ماجاء بقرارات محكمة التمييز الاتحادية بالعدد ( 417/ مدنية منقول /2013 ): (كان يقتضيدعوة عضو الادعاء العام المنسب بالحضور عند نظر الدعوى تطبيقاًلنص المادة 12/ أولاً من قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 التي أوجبت على الادعاء العام الحضور أمام محاكم العمل).
وختم حديثه عن الشروط الواجب توفرها في أسباب الحكم وهي أن“تكون الأسباب كافية ومعنى ذلك تتسم أسباب الحكم بالواقعيةوبالوضوح وعلى القاضي بحث وقائع الدعوى بدقة والتوصل إلى قناعةبصددها وهذا يتنافى مع الإجمال أو الإبهام أو الغموض وعليه أنيناقش بموضوعية كل طلب أو دفع أو شهادة أو تقارير قدمت بالدعوى=، وان تكون منطقية فيجب أن يكون البناء المنطقي للحكم سليماً وانتؤدي الأدلة التي استند إليها إلى النتيجة التي ينتهي إليها، أما إذاكان يستحيل عقلاً استخلاص الواقعة التي اعتمدها الحكم فأنه يكونمشوباً بالخطأ كان يشير الحكم إلى خطأ المضرور في إحداث الضررومع هذا يحكم بكامل التعويض للمضرور دون أن ينقص بما يتناسبمع ماهية الضرر الذي أحدثه المضرور، وأن تستمد أسباب الحكم منإجراءات الدعوى والتي هي المصدر الوحيد الذي يجب أن يستمد منهالقاضي قناعته وبالتالي لا يجوز أن يصدر الحكم مبنياً على عملهالشخصي ، ويعيب الحكم استناده إلى سبب لا سند له في أوراقالدعوى وخلاف الثابت فيها كأن يستند إلى تقرير خبير في حين أنالمحكمة لم تنتخب خبيرا في الدعوى أصلا.