تقارير

هل كافحت القوانين العراقية التصحّر والاعتداء على البيئة؟

لا أحد يقدم شكاوى ضد التجاوزات

بغداد / مروان الفتلاوي

يمر العالم بأزمة جفاف وتصحّر حاد، سببت تغيّرات مناخية وبيئية كبيرة، ويقع العراق في قلب هذه العاصفة بسبب قلة مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، وكثرة التجاوزات عليها من جهة، وانعدام الأحزمة الخضراء جراء الاعتداءات والتجريف الذي يطول الأراضي الزراعية والحدائق العامة من جهة أخرى.

ويعتقد قضاة جزاء أن القوانين والتشريعات العراقية كافية لحماية البيئة في الحد الذي يتعلق بالتجاوزات، إذ حملت هذه القوانين تعليمات وعقوبات رادعة للمتجاوزين وإن كانت تحتاج إلى تعديل، لكنهم انتقدوا عدم المتابعة من قبل الوحدات الإدارية المسؤولة على ملف البيئة لإهمالهم تقديم الشكاوى وعدم الرقابة على المال العام.

وتصنف الأمم المتحدة، العراق، من بين الدول الخمس الأكثر تأثرا بالتغير المناخي في العالم، فيما تشير تقارير محلية إلى أن نسبة التصحر في البلاد بلغت نحو 70%، بسبب نقص الإمدادات المائية.

ويقول نائب رئيس استئناف بابل، القاضي عماد الفتلاوي، إلى “القضاء”، إن “ما يصل من دعاوى تجاوز على المياه والعبث بالبيئة كقطع الأشجار قليلة جدا، ولا يتناسب مع حجم التجاوزات الموجودة فعليا إذ أن الدعاوى الواصلة للمحاكم في محافظة بابل مثلا عن التجاوزات على البيئة لا تتجاوز أصابع اليد خلال السنوات الخمس الماضية”.

وأضاف الفتلاوي، أن “عدد الدعاوى القليل مع حجم ما موجود من تجاوزات يدلّ على أن هناك تراخيا إداريا ورقابيا في الوزارات المعنيّة كوزارة الزراعة والبلديات والموارد المائية ودوائرها”.

وتابع أن “الأقسام والشعب القانونية في دوائر ومؤسسات الدولة ملزمة بإقامة الشكاوى على المخالفين فالمادة 48 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ألزمت المكلف بخدمة عامة بالإخبار عن الجرائم، ومن يهمل الإخبار عن جريمة سيضع نفسه أمام عقوبة وفقا للمادة 247 من قانون العقوبات”، مشدّداً على ضرورة أن “يتمتع المواطنون أيضا بثقافة تقديم الشكاوى ضد التجاوزات والاعتداء على البيئة”.

وأكد على “ضرورة وجود قيود تنظيمية وتشريعية تحمي البيئة، لذلك فإن قطع الأشجار على الطرقات والحدائق العامة لا بد يخضع لرقابة دوائر البيئة”، مشيرا إلى أن “القرار رقم 269 لسنة 1990، عاقب في مادته الأولى الفقرة 2 من (تسبب في تخريب أو إتلاف الحدائق أو المنتزهات العامة أو المزروعات أو الأشجار الكائنة على جانبي الطرق العامة أو في وسطها)”.

وبشأن المياه، يؤكد أن “ما يتعلق بهذا الملف تحكمه الاتفاقات الدولية وليس للقوانين المحلية مجالا للتدخل”، لكنه يرى أن “للعراق حقوقا تاريخية في نهري دجلة والفرات وهذا القطع غير قانوني بموجب الاتفاقات الدولية لأنه يؤثر على الحياة الإنسانية والطبيعة”.

وتزايدت التحذيرات الرسمية والشعبية، من خطورة استمرار خفض مناسيب نهري دجلة والفرات، وجرى عقد ورش واجتماعات، في محاولة لإيجاد حلول ناجعة تنهي شبح الجفاف الذي طال النهرين التاريخيين.

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورا كارثية لما وصل إليه حال الرافدين، إذ بدا قاع كل منهما واضحا عند الضفاف في المحافظات الجنوبية.

من جانبه، ورداً على سؤال بشأن التجاوز على الأراضي الزراعية وتحويلها لأحياء ومساكن عشوائية، يقول القاضي حبيب إبراهيم حمادة، لـ”القضاء” بأن “قوانين الإصلاح الزراعي كقانون رقم 51 لسنة 1959 منحت المزارعين حق إنشاء بيت فلاحي واحد في الأرض الزراعية، والأرض تبقى زراعية، إذ بإمكان الدولة على الأقل إنهاء العقد مع الفلاح فمعظم هذه الأراضي هي عقود، وهناك صلاحية للجهات الإدارية بإنهائها”.

وأضاف إبراهيم، وهو نائب لرئيس الاستئناف، أن “هذه التشريعات حظرت استعمال هذه الأراضي لغير الزراعة، لكنها لم تورد عقوبة جزائية على المخالفين”، معتقدا أن “الحل للحد من هذه الظاهرة –من وجهة نظره- بتطبيق المادة 240 من قانون العقوبات العراقي، وحتى هذه المادة عقوبتها قليلة ولا تتناسب مع حجم الخطورة التي تسببها بعض هذه المخالفات والجرائم وتأثيرها على البيئة والمناخ”.

وتنص هذه المادة على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر او بغرامة من خالف الأوامر الصادرة من موظف او مكلف بخدمة عامة او من مجالس البلدية او هيئة رسمية أو شبه رسمية ضمن سلطاتهم القانونية أو لم يمتثل لأوامر أية جهة من الجهات المذكورة الصادرة ضمن تلك السلطات.

ويعتقد القاضي أن “التشريعات والقوانين العراقية التي تناولت حماية البيئة كثيرة وكافية لهذا الغرض إذ يجب تطبيقها بشكلها الصحيح حتى نتمكن من الحد من هذه الظواهر التي تؤثر على المناخ والبيئة”.

وأشار إبراهيم إلى أن “من القوانين التي تناولت هذا الملف هي قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2007 وقانون الغابات والمشاجر رقم 30 لسنة 2009، وقانون الري وقانون المراعي الطبيعية وغيرها”.

وانتشرت بشكل واسع ظاهرة العشوائيات والبناء غير القانوني على الأراضي الزراعية حيث تم تشييد مدن كبيرة ومحلات وجرى تحويل هذه الأراضي الزراعية الى احياء سكنية بالرغم من أن ذلك يتطلب أعمالا ودراسة عمرانية من حيث تهيئة الخدمات الماسة بحياة الناس من كهرباء وماء ومجار وطرق مواصلات.

وبحسب مقال سابق نشرته “القضاء” ذكر القاضي كاظم الزيدي أن ظاهرة البناء العشوائي في الأراضي الزراعية بحاجة إلى إعادة النظر من قبل المشرع العراقي في إصدار التشريعات القانونية وإجراءات أخرى تؤدي إلى إيقاف ظاهرة التجاوز والوقوف على الأسباب الحقيقية لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى