التحرش الجنسي في الوظيفة… ظاهرة اجتماعية طارئة والسبب “المحاصصة”
بغداد/ الحياة
بالترغيب والترهيب يقوم بعض المدراء في المؤسسات الحكومية والجامعات بالتحرش ببعض الموظفات والطالبات من المتزوجات وغير المتزوجات بأساليب مختلفة لاجبارهن على الانسياق لتلبية رغباتهم ، فالكثير منهن تم فصلهن ونقلن بصورة تعسفية او استقلن من الوظيفة، خوفا من الوقوع ضحية لأطماع الرغبات الشخصية في مجتمع اصبح فيه الضعيف ضحية لاصحاب المناصب والفاسدين.
استغلال للمطلقات بحجة الزواج الشرعي
وتقول الموظفة (س . أ) التي تعمل موظفة في احدى الدوائر الحكومية، “تعرضت للكثير من المضايقات من احد المدراء في دائرتي وبأساليب مختلفة فانا ام لطفل واحد في بعض الاحيان تجبرني الظروف على طلب اجازة زمنية او اجازة لمدة يوم او يومين، كون الموظف من حقه التمتع باجازة لمدة ثلاثة ايام خلال الشهر الواحد”.
وتضيف الموظفة في حديث لـ”الحياة”، ان “المدير من خلال هذه الاجازات يحاول التدخل في حياتي الشخصية ويتصل بي ويبعث لي برسائل كثيرة ومنها (ساحصل لك على استثناء من هذه الدائرة في أي وقت تحبين الدخول والخروج مقابل الدخول الى غرفتي والجلوس معي)”، مؤكدة انه “يقوم باغلاق الباب حينما ادخل لغرفته في الدائرة من اجل إيصال بعض الملفات، ويحاول الحديث عن بعض الأشياء ويتراجع، بسبب رفضي لمطالبه”.
وتروي (س . ا) “كان لي صديقة في الدائرة عندما تدخل على ذلك المدير يقوم بالتغزل بها وكأنما هو زوجها فضلا عن القصائد التي يرسلها لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فايبر واتساب) لكنها تخاف ان تتقدم بأي شكوى ضده في الدائرة كونه، المدير العام وبالتالي لا تستطيع ان تعمل أي شيء اتجاهه باعتباره رأس الهرم في الدائرة”.
من جانبها تقول (أ . م ) وهي موظفة مطلقة ولديها طفلة تبلغ من العمر ست سنوات، انها “تعرضت الى الكثير من المضايقات خلال فترة عملي في دائرتي الاولى التي كنت اعمل بصفة الاجر اليومي كوني مطلقة وبأمس الحاجة الى التعيين لكي اتمكن من العيش بسلام انا وابنتي”.
وتضيف ( أ . م )، في حديث لـ”الحياة”، ان “مدير القسم أرسل بطلبي ذات مرة للتداول في بعض الامور التي تخص القسم دخلت عليه في غرفته كأي موظف يذهب الى لقاء مديره فتفاجأت بحديثه وهو يقول ( انا معجب بك جدا وبجسمك الجميل وبشخصيتك لماذا لا نذهب الى دار الاستراحة في منطقة الكرادة فبقيت صامته فقط افكر بطرقة للخروج من الغرفة دون ان اعمل أي مشكلة لأني اعمل بصفة الاجر اليوم وفي حال حدوث أي مشكلة سيتم انهاء عقدي في الدائرة”.
وتؤكد الموظفة، ان “المدير حاول لمسي اكثر من مرة خلال تواجدي في غرفته بصورة او بأخرى لكنني رفضت ووجهت له بعض الكلمات التي لا تليق بمدير، وبعد فترة قصيرة طلبني ايضا في مكتبه للمداولة في بعض الامور فقال لي (لماذا تفهميني بشكل خاطىء انا ارغب بالزواج منك بطريقة شرعية) فاجبته لماذا لم تطرح الامور بصورة طبيعية قبل ان تتصرف بهذه الطريقة، كوني توقعت انه يريد التقدم لخطبتي الا انه سرعان ما عرفت بأن الزواج الشرعي يقصد به زواج (المتعة ) فبسقط في وجهه وخرجت من الغرفة مسرعة الى غرفتي”.
وتتابع (أ . م) انه “بعد يومين تم تحويلي الى التحقيق بتهم لم ارتكبها قط حيث تقدم اشخاص من الدائرة الى اللجنة التحقيقية بشهادات زور وفي مواضيع مختلفة لم ارتكبها حيث اكملت اللجنة تحقيقها”، لافتة الى انه “كان هناك موظف كبير السن تربطني به علاقة طيبة، نصحني بتقديم طلب لنقلي الى دائرة اخرى، لخطورة القضية على سمعتي، كون المدير لديه تاريخ في هذا المجال ومن الممكن ان يؤذيني، لتوصي اللجنة المشكلة بعدها بنقلي من هذه الدائرة الى دائرة اخرى وهذا ما تمنيته”.
تعددت الأساليب والغاية واحدة
وتقول الطالبة في احدى الجامعات ( ن . ز)، ان “احد التدريسيين في الكلية عمد اكثر من مرة على مضايقتي وبأساليب عديدة منها النظرات الغير طبيعية في القاعة الدراسية والتلميحات التي يطلقها اثناء المحاضرات”.
وتضيف (ن . ز)، في حديث لـ”الحياة”، انه ،بعد انتهاء الفصل الاول تفاجات بحصولي على درجة 3 من 20 في المادة المسؤول عنها الاستاذ المعني وخاصة اني من الطالبات المتفوقات، فذهبت للاعتراض أمامه على تلك الدرجة وابلغته باني افضل من اجاب على الاسئلة وبشهادة الجميع، فرد بالقول اني إجابتي لم تكن بصورة جيدة وهذا استحقاقك”.
وتروي الطالبة الجامعية، انه “في الكورس الثاني حدث لي نفس المشكلة فتوجهت الى رئيس القسم وطرحت عليه الموضوع حيث اجابني بالحرف الواحد (تدللين ابنتي ساتابع الموضوع بنفسي واحل المشكلة واذا كان لديك اي حقوق ستاخذينها)”.
وتؤكد (ن . ز)، ان “رئيس القسم اطلع على درجاتي في المواد المتبقية واستدعاه ولم اعرف ما الذي حدث بينهما ولكن الامر الذي حصل اني لم أتمكن من تجاوز تلك المرحلة وبقيت فيها للسنة الثانية، لتعاد مرة اخرى القضية مع الاستاذ نفسه، ولكوني اعلم بان الامتحانات تشمل فقط المواد التي لم تحصل فيها على درجة النجاح، توجهت الى عميد الكلية وطرحت عليه الموضع، لكنه رفض المساس بالاستاذ خوفا على منصبه او سمعة الكلية، ليقف القدر معي بعدها وينقل الاستاذ الى كلية ليكتب لي النجاح والعبور من المرحلة الدراسية”.
من جانبه يبدي المتحدث باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيدر العبودي في حديث لـ”الحياة”، استعداد الوزارة للتعاون مع اية جهة في حال ثبت تورط احد المنتسبين في هذه القضايا”.
المحاصصة وراء التحرش الجنسي
ويقول مدير اعلام وزارة الصحة والبيئة امير علي الحسون، في حديث لـ”الخياة”، ان “المحصاصة في اختيار المدراء هي احد الاسباب الرئيسية بتفشي هذه الظاهرة في المؤسسات الحكومية والاهلية”.
ويوكد الحسون، ان “المحاصصة في توزيع المناصب هي واحدة من الاسباب التي اشاعة وتشيع الفساد المالي والاداري والاخلاقي كون الانسان الذي يتولى منصب بكفاءة ومهنية لايمتلك الجرأة على ممارسة مثل هذه الاعمال”، مشيرا الى ان “غالبية المسؤولين وصلوا لمناصبهم بالمحاصصة، فهولاء يبحثون عن ملذات الحياة التي يجدونها في المال والنساء، وهذا مايفسر ارتكابهم لمثل تلك السلوكيات”.
ويتابع الحسون، ان “هذه الاعمال لاتقتصر على الرجال فحسب بل هناك نساء هن من يعرضن نفسهن على المدراء، فأنا مدير عام دائرة ولدي صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، وتعرض علي الكثير من القضايا من قبل بعض النساء في سبيل الحصول على وظيفة، لكنني تتجاهل جميع تلك الطلبات حفاظا على سمعتي ومن المتصيدين بالماء العكر”.
لجنة برلمانية: رصدنا العديد من حالات التحرش في المؤسسات الحكومية
وتقول عضو لجنة المرأة والاسرة والطفل في مجلس النواب ريزان شيخ دلير، ان “اللجنة رصدت العديد من حالات التحرش في المؤسسات الحكومية”، معربة عن أسفها، “لوجود مثل تلك الحالات في المجتمع العراقي”.
وتضيف شيخ دلير في حديث لـ”الحياة”، أن “بعض المدراء يتصورن انهم يعملون في شركاتهم وليس في مؤسسات حكومية”، مبينة ان “المرأة باي مكان معرضة لكل هذه الاهانات منها التحرش وحتى الاغتصاب في بعض الاحيان لكن السؤال المهم اليوم منو يحمي المرأة والبنت الضعيفة داخل هذه المؤسسات”.
وترى دلير ان “المرأة اليوم لا تستطيع حتى اخبار عائلتها بهذه المواضيع التي تحصل معها من قبل المدير بسبب الاحراج او الخوف من اتخاذ اسرتها إجراءات تؤثر على سمعتها في المجتمع”، لافتة الى انها “شاهدت الكثير من تلك الحالات خلال عملها السابق كمحققة علمية في المحاكم، لكن خوف المرأة من كلام الناس يجبرها على السكوت وعدم الدفاع عن نفسها، وخاصة انها ستكون في النهاية هي المذنبة وليس المدير الذي يستغل منصبه لممارسة تلك الاعمال”.
وتؤكد دلير ان “اغلب الشهود الذي تعتمد عليهم المرأة في قضيتها في حال كانوا من دائرتها عندما يصلون الى المحكمة يرفضون الادلاء بشهاداتهم بسبب المخاوف التي تنتابهم من تسلط المدراء وتهديدهم بالنقل او الفصل من الوظيفة”.
وتشدد دلير، على ان “المؤسسات الحكومية بحاجة لاشخاص اكاديميين يحترمون العمل والدائرة التي يعملون فيها ويدركون انها ليست لممارسة الدعارة وإنما تقديم الخدمات للمواطنين والبلد”.
دعوات لإخضاع المدراء لاختبارات نفسية قبل تسليمهم المناصب
ويقول الخبير النفسي الدكتور فاضل الساعدي الخبير النفسي، ان “شخصية الانسان عندما يرتقي لمنصب وظيفي اومكانة اجتماعية تبدأ بالشعور بالنقص تجاه بعض القضايا، فتجده يسعى لسد هذا النقص من خلال البحث عنه في جميع المجالات ومنها التحرش الجنسي او الموافقة على العروض التي تطرح عليه من قبل الجنس الاخر لإشباع الفراغ الموجود في شخصيته”.
ويضيف الساعدي، في حديث لـ”الحياة”، ان “اغلب بلدان العالم تعتمد على عدة قضايا في اختيار الاشخاص المرشحين لادارة المناصب الادارية والوظيفية ومنها مجموعة من الاختبارات النفسية التي تحدد مدى قدرتها على تسلم المنصب”، مشيرا الى ان “مايحدث في بلادنا ليس لها علاقة بالجوانب النفسية ولا موضوعية، وخاصة ان اغلب التعيينات تعتمد المقابلات ذات التزكيات من الأشخاص والمقربين”
ويدعو الساعدي، الحكومة الى “اعتماد طريقة الاختبارات النفسية في اختيار المدراء وتسمية المناصب، ليكون القرار بعدها للشخص المسؤول عن الاختبار”، مؤكدا على ضرورة “عدم الاعتماد على الشهادات العليا فقط كون هناك الكثير من الكفاءات التي تتمتع بالقيادة والحكمة في ادارة المنصب”.
يذكر ان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قررت في وقت سابق فصل مدير الاقسام الداخلية السابق وسحب درجته الوظيفية بعد ادانته بقضية مشبوهة مع احدى طالبات الاقسام الداخلية.